أسعدتنا الثورة المصرية التي قامت - بعد توفيق الله سبحانه - على أيدي أبنائنا وشبابنا وفخرنا في حاضرنا وعُدتنا في مستقبلنا , وكتبنا مقالات اعترفنا فيها بأننا - كجيل شارف على الشيخوخة - تعلمنا من أبنائنا الشباب وأنهم كانوا قادة لنا في هذه الثورة .
شاطرناهم الأمل والألم , وشاركناهم السعي والعمل , حتى كتب الله لنا جميعا النصر والفرحة , أمددناهم بكل ما نستطيع إمدادهم به - بما تبقى من قوتنا التي أنهكت عبر عقود طويلة متراكمة من الظلم والهوان .
ربيناهم صغارا , ,وبذلنا أعمارنا في محاولة تعليمهم قيم الإيمان وسقيناهم معنى الإيجابية , وزرعنا فيهم بغض الظلم والظالمين بالرغم من أننا قضينا أكثر من ثلثي عمرنا- شبابا وكهولة - ولم نر ولم نعرف قادة غير تلك العصابة الفاسدة الظالمة التي كانت تحكم مصر فعشنا مكبلين مظلومين مقهورين فلم نجد فرصة للتعبير عن آرائنا أبدا .
وبعد نجاح الثورة بحمد لله وجدنا أنفسنا – كجيل كامل – غرباء عن أبنائنا وشبابنا الذين ظنوا - أثناء محاربتهم للنظام الفاسد – أن جيلنا أيضا يجب محاربته , فوقعت أحداث متكاثرة أذكر منها كأمثلة : إذا ظهر في وسيلة إعلامية شباب من أبناء الثورة مع رجال من جيلنا أو ممن سبقنا , وجدنا شبابا كثيرين منهم لا يحبون أن يستمعوا لهذا الكبير , ولا يتركون له مجالا للحديث ويشعرونه بنوع من الحرب الخفية وكأنها حرب وجود واستئصال بين فئتين متضادتين , ووجدنا أيضا تقليلا للقيمة والمكانة للكبير مهما كانت قيمته علمية أو ثقافية أو تربوية , وكل ذلك بدعوى الثورة .
لقد أسفرت الثورة عن نوع غريب من الجحود ونكران كل قيمة لكبير السن , وكأن الثورة كانت على جيل الكبار لا على النظام الظالم فقط , وأصبحت كل الميادين ميادين تحرير جديدة يتحررون فيه من جيلنا , فارتفع صوت بعض الأبناء في البيوت على آبائهم واعتقدوا أن مجرد السؤال أو المتابعة من الأب للابن نوع من القهر اللازم التخلص منه استكمالا لتخلصهم من النظام , وتجرأ بعض طلبة العلم على مشايخهم وفكروا في الانفصال عنهم ونقدوهم بطرق وأساليب بعيدة جدا عن التوقير والاحترام , وثار بعض من الشباب على قيادتهم بطرق لم تعهدها جماعتهم من قبل وخالفوا بها ثوابتهم التي تربوا عليها , وتكرر الأمر في بعض المؤسسات والمدارس والجامعات في تعامل الطلاب مع أساتذتهم , بدعوى هبوب رياح الثورة أيضا .
وهنا لا أستطيع أن أنكر أن لبعضهم الحق في مطالبهم وخاصة في المؤسسات الرسمية إذ لهم مطالب عادلة ينبغي تحقيقها ولوقوع فساد كبير في قياداتها السابقة , ولكني أتحدث عن تحطم القيمة حينما ينظر الجيل الشاب للجيل الأكبر منه نظرة تحد واستعلاء وتخوين وقد تصل أحيانا إلى الاحتقار .
إن هذه التصرفات الغريبة عن مجتمعاتنا البعيدة عن أخلاقنا وسماتنا لتحتاج منا جميعا إلى أكثر من وقفة للتفكر والتدبر قبل أن يتآكل المجتمع في صراع أجيال لن يستفيد منه سوى مَن قامت الثورة للتخلص منهم ومن أذنابهم .
وأتساءل لماذا يتعامل هذا الجيل هذا التعامل السيئ معنا بعدما شعرنا بفرحة انتفضت لها قلوبنا وبكينا لنجاحنا جميعا وكان حالنا كحال الكهل التونسي الذي كاد يبكي فرحا وهو يقول " لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية " .
لقد وُلدنا ضحايا لنظم أكثر دكتاتورية وظلما , وكنا نتاجا لجيل عاش أيام القهر الأولى التي حاربت الدين وكل مظاهره وجعلت كل واحد يخشى من الآخر من فرط القسوة في التعامل الأمني معه , وبرغم كوننا أحرارا تسري الحرية في دمائنا وتتدفق في شراييننا , ونستشعر بها بعزة ديننا فإننا قد نشأنا مكبلين بعهود مظلمة بائسة لا نستطيع أن نتنفس فيها نسيم الحرية , وحينها التمسنا لآبائنا ولأمهاتنا الأعذار في تصرفاتهم تقديرا لمعاناتهم , والآن بعد مرور عقود من الزمان أصبحنا فهل هذا ما نستحقه منكم ؟ وهل ستستكملون أنتم ظُلمنا أيضا كما ظَلمتنا كل ظروفنا منذ أن تفتحت أعيننا ؟ .
لقد حاربونا في ديننا ودعوتنا ثم في حرياتنا وأرزاقنا فاستطاع بعضنا السفر وتحمل الاغتراب في كل بقاع الدنيا لأننا لم نجد لأنفسنا مكانا في أوطاننا , وكبلونا بالفقر وقلة فرص العمل حتى تحمل كل من اغترب منا أقسى الظروف وأشدها لكي يوفر لنفسه ولأهله بعض المال ومن ثم ليبدأ تكوين أسرة جديدة وليوفر لها حياة كريمة , ولم يستطع أغلبنا السفر فصار يشيع كل يوم بعضا من أحلامه وآماله إلى مثواها الأخير , وبرغم ذلك ثبتنا بحمد الله على أقدامنا وظللنا بجواركم حتى خطوتم خطواتكم الأولى وتعلمتم كيف ترون الطريق .
لقد حصدتم أنتم ثمرة عذاباتنا , لقد تعذبنا لكي نشهد يوما تصبحون فيه نموذجا مختلفا عن نموذجنا , ولكي تكونوا كما أنتم عليه الآن بهذه النماذج التي يفخر بها وطننا ويتعلم منها العالم كله , تعذبنا كي تتعلموا وتتثقفوا وتناقشوا وتجادلوا وتبحثوا عن حقوقكم السليبة في وطنكم , كي لا يفقد وطننا جيلكم أيضا .
لقد عشنا ورأينا بأعيننا كيف كان الظلم الاجتماعي لجيلنا الذي دفنت أشلاؤه في تراب هذا الوطن , كم تذوقنا مرارة حرماننا من خيرات بلدنا , ورأينا كيف كان لأنصاف الكفاءات ولمحدودي الخبرات ولقليلي العلم والحرص على الدين والأخلاق أكبر الحظ والنصيب لدى تلك العصابة , في حين اضطرت العقول النيرة منا أن تهاجر وتترك وطنها لكي تضيء بمشاعلها كل أرجاء الأرض وحرمت مصر من خيرات جيلنا , وماتت أحلام وطموحات وأفكار وإبداعات من لم يستطع السفر منا وبقي داخل مصر ممزقا بين أحلامه وإمكاناته التي سرقها سارقو الأحلام .
أسائلكم .. عندما كرمتم الأبطال الشهداء والمصابين من جيلكم , هل نسيتم أن للشهداء وللمصابين آباء وأمهات من جيلنا - نحن - قد أنفقوا أعمارهم لتربيتهم أبنائهم , واليوم يرون فلذات أكبادهم قتلى وجرحى ويصبرون أنفسهم الآن بأنهم قدموا أبناءهم فداء للعدل ولحرية بلدهم ولكرامة المواطنين فيه , ألم يدفع جيلنا الثمن ؟!! .
ألم يدفع كل أب وأم من جيلنا ثمن الثورة وهم يعيشون بين خوفين يصارعانهما , خوف على بلدهم وخوف على أبنائهم , تتملكهم الشجاعة حينا فيدفعوكم للسعي والكفاح ويقيدهم الخوف حينا فيطالبوكم مطالبة غير جازمة بالعودة , وحينها تهطل دموعهم وتتساقط وهم يدعون الله سبحانه مالك الملك في جوف الليل أن يحفظكم وأن يحفظ البلاد وأن يخلصها من ظلم الظالمين ؟!.
ألم تكن كل الأجيال - الأكبر منكم والأصغر - مشارِكة معكم حقيقة في كافة الميادين أم كنتم في الميدان وحدكم ؟! , لقد شاركتكم كل طوائف الشعب وبكافة أطيافه وألوانه , ولكننا جميعا أسميناها بثورة الشباب لأنكم كنت عامودها الفقري وكنتم العامل الأبرز في بدايتها وإشعال فتيلها , ولم يشأ أي فرد أو جماعة أو جيل أن يختطف منكم الثورة وينسبها لنفسه رغم تضحيات الجميع فيها والمعروفة التي لا ينكرها أحد .
لقد دعيت أنا وصديق لي إلى تجمع شبابي بعد الثورة , واستبشرنا خيرا إذ أننا وربما للمرة الأولى سنلتقي بالشباب بلا متابعة ولا مراقبة وسنناقشهم وسيناقشوننا وسنقول كل ما نفكر فيه ولن نخشى أحدا إلا الله , وسنرتب فيه للعمل في الفترة القادمة في ضوء ما نتفق عليه , وذهبنا منشرحي الصدر وإذا بنا بعد عدة لقاءات نجدهم قد أحالونا إلى لجان الموت الإكلينيكي المسماة بلجان الحكماء , فهل كان قدرنا - كجيل كامل - خلال النظام البائد أن نهمش ولا يسمع صوتنا ولا نجد فرصة للتعبير عن أفكارنا , وهل أصبح هذا قدرنا معكم أنتم أيضا يا شباب الثورة , ولمصلحة من نُظلم ونُهمش مرتين قبل الثورة وبعدها ؟ والظلم في هذه المرة على أيديكم أشد مرارة .
إن احترام الكبير - الذي نفتقده الآن في أماكن كثيرة - معنى راق من المعاني الأصيلة التي تربى عليها المجتمع المصري كله والذي استمده من ديننا الحنيف الذي يأمر بحسن معاملة الكبير بالتوقير الذي يستحقه ففي الحديث الذي رواه الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن عمرو قال حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :" ليس منا من لم يرحم صغيرنا ، ويعرف حق كبيرنا " .بل وكان الرسول صلى الله عليه وسلم على عِظم مكانته وقدره في نفوس أصحابه وعلى كِبر سنه في فتح مكة يحترم من هو أكبر منه سنا فقال لأبي بكر حين جاءه بوالده أبي قحافة مسلما " ألا تركته في بيته ونذهب نحن إليه " احتراما لكبر سنه .
شاطرناهم الأمل والألم , وشاركناهم السعي والعمل , حتى كتب الله لنا جميعا النصر والفرحة , أمددناهم بكل ما نستطيع إمدادهم به - بما تبقى من قوتنا التي أنهكت عبر عقود طويلة متراكمة من الظلم والهوان .
ربيناهم صغارا , ,وبذلنا أعمارنا في محاولة تعليمهم قيم الإيمان وسقيناهم معنى الإيجابية , وزرعنا فيهم بغض الظلم والظالمين بالرغم من أننا قضينا أكثر من ثلثي عمرنا- شبابا وكهولة - ولم نر ولم نعرف قادة غير تلك العصابة الفاسدة الظالمة التي كانت تحكم مصر فعشنا مكبلين مظلومين مقهورين فلم نجد فرصة للتعبير عن آرائنا أبدا .
وبعد نجاح الثورة بحمد لله وجدنا أنفسنا – كجيل كامل – غرباء عن أبنائنا وشبابنا الذين ظنوا - أثناء محاربتهم للنظام الفاسد – أن جيلنا أيضا يجب محاربته , فوقعت أحداث متكاثرة أذكر منها كأمثلة : إذا ظهر في وسيلة إعلامية شباب من أبناء الثورة مع رجال من جيلنا أو ممن سبقنا , وجدنا شبابا كثيرين منهم لا يحبون أن يستمعوا لهذا الكبير , ولا يتركون له مجالا للحديث ويشعرونه بنوع من الحرب الخفية وكأنها حرب وجود واستئصال بين فئتين متضادتين , ووجدنا أيضا تقليلا للقيمة والمكانة للكبير مهما كانت قيمته علمية أو ثقافية أو تربوية , وكل ذلك بدعوى الثورة .
لقد أسفرت الثورة عن نوع غريب من الجحود ونكران كل قيمة لكبير السن , وكأن الثورة كانت على جيل الكبار لا على النظام الظالم فقط , وأصبحت كل الميادين ميادين تحرير جديدة يتحررون فيه من جيلنا , فارتفع صوت بعض الأبناء في البيوت على آبائهم واعتقدوا أن مجرد السؤال أو المتابعة من الأب للابن نوع من القهر اللازم التخلص منه استكمالا لتخلصهم من النظام , وتجرأ بعض طلبة العلم على مشايخهم وفكروا في الانفصال عنهم ونقدوهم بطرق وأساليب بعيدة جدا عن التوقير والاحترام , وثار بعض من الشباب على قيادتهم بطرق لم تعهدها جماعتهم من قبل وخالفوا بها ثوابتهم التي تربوا عليها , وتكرر الأمر في بعض المؤسسات والمدارس والجامعات في تعامل الطلاب مع أساتذتهم , بدعوى هبوب رياح الثورة أيضا .
وهنا لا أستطيع أن أنكر أن لبعضهم الحق في مطالبهم وخاصة في المؤسسات الرسمية إذ لهم مطالب عادلة ينبغي تحقيقها ولوقوع فساد كبير في قياداتها السابقة , ولكني أتحدث عن تحطم القيمة حينما ينظر الجيل الشاب للجيل الأكبر منه نظرة تحد واستعلاء وتخوين وقد تصل أحيانا إلى الاحتقار .
إن هذه التصرفات الغريبة عن مجتمعاتنا البعيدة عن أخلاقنا وسماتنا لتحتاج منا جميعا إلى أكثر من وقفة للتفكر والتدبر قبل أن يتآكل المجتمع في صراع أجيال لن يستفيد منه سوى مَن قامت الثورة للتخلص منهم ومن أذنابهم .
وأتساءل لماذا يتعامل هذا الجيل هذا التعامل السيئ معنا بعدما شعرنا بفرحة انتفضت لها قلوبنا وبكينا لنجاحنا جميعا وكان حالنا كحال الكهل التونسي الذي كاد يبكي فرحا وهو يقول " لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية " .
لقد وُلدنا ضحايا لنظم أكثر دكتاتورية وظلما , وكنا نتاجا لجيل عاش أيام القهر الأولى التي حاربت الدين وكل مظاهره وجعلت كل واحد يخشى من الآخر من فرط القسوة في التعامل الأمني معه , وبرغم كوننا أحرارا تسري الحرية في دمائنا وتتدفق في شراييننا , ونستشعر بها بعزة ديننا فإننا قد نشأنا مكبلين بعهود مظلمة بائسة لا نستطيع أن نتنفس فيها نسيم الحرية , وحينها التمسنا لآبائنا ولأمهاتنا الأعذار في تصرفاتهم تقديرا لمعاناتهم , والآن بعد مرور عقود من الزمان أصبحنا فهل هذا ما نستحقه منكم ؟ وهل ستستكملون أنتم ظُلمنا أيضا كما ظَلمتنا كل ظروفنا منذ أن تفتحت أعيننا ؟ .
لقد حاربونا في ديننا ودعوتنا ثم في حرياتنا وأرزاقنا فاستطاع بعضنا السفر وتحمل الاغتراب في كل بقاع الدنيا لأننا لم نجد لأنفسنا مكانا في أوطاننا , وكبلونا بالفقر وقلة فرص العمل حتى تحمل كل من اغترب منا أقسى الظروف وأشدها لكي يوفر لنفسه ولأهله بعض المال ومن ثم ليبدأ تكوين أسرة جديدة وليوفر لها حياة كريمة , ولم يستطع أغلبنا السفر فصار يشيع كل يوم بعضا من أحلامه وآماله إلى مثواها الأخير , وبرغم ذلك ثبتنا بحمد الله على أقدامنا وظللنا بجواركم حتى خطوتم خطواتكم الأولى وتعلمتم كيف ترون الطريق .
لقد حصدتم أنتم ثمرة عذاباتنا , لقد تعذبنا لكي نشهد يوما تصبحون فيه نموذجا مختلفا عن نموذجنا , ولكي تكونوا كما أنتم عليه الآن بهذه النماذج التي يفخر بها وطننا ويتعلم منها العالم كله , تعذبنا كي تتعلموا وتتثقفوا وتناقشوا وتجادلوا وتبحثوا عن حقوقكم السليبة في وطنكم , كي لا يفقد وطننا جيلكم أيضا .
لقد عشنا ورأينا بأعيننا كيف كان الظلم الاجتماعي لجيلنا الذي دفنت أشلاؤه في تراب هذا الوطن , كم تذوقنا مرارة حرماننا من خيرات بلدنا , ورأينا كيف كان لأنصاف الكفاءات ولمحدودي الخبرات ولقليلي العلم والحرص على الدين والأخلاق أكبر الحظ والنصيب لدى تلك العصابة , في حين اضطرت العقول النيرة منا أن تهاجر وتترك وطنها لكي تضيء بمشاعلها كل أرجاء الأرض وحرمت مصر من خيرات جيلنا , وماتت أحلام وطموحات وأفكار وإبداعات من لم يستطع السفر منا وبقي داخل مصر ممزقا بين أحلامه وإمكاناته التي سرقها سارقو الأحلام .
أسائلكم .. عندما كرمتم الأبطال الشهداء والمصابين من جيلكم , هل نسيتم أن للشهداء وللمصابين آباء وأمهات من جيلنا - نحن - قد أنفقوا أعمارهم لتربيتهم أبنائهم , واليوم يرون فلذات أكبادهم قتلى وجرحى ويصبرون أنفسهم الآن بأنهم قدموا أبناءهم فداء للعدل ولحرية بلدهم ولكرامة المواطنين فيه , ألم يدفع جيلنا الثمن ؟!! .
ألم يدفع كل أب وأم من جيلنا ثمن الثورة وهم يعيشون بين خوفين يصارعانهما , خوف على بلدهم وخوف على أبنائهم , تتملكهم الشجاعة حينا فيدفعوكم للسعي والكفاح ويقيدهم الخوف حينا فيطالبوكم مطالبة غير جازمة بالعودة , وحينها تهطل دموعهم وتتساقط وهم يدعون الله سبحانه مالك الملك في جوف الليل أن يحفظكم وأن يحفظ البلاد وأن يخلصها من ظلم الظالمين ؟!.
ألم تكن كل الأجيال - الأكبر منكم والأصغر - مشارِكة معكم حقيقة في كافة الميادين أم كنتم في الميدان وحدكم ؟! , لقد شاركتكم كل طوائف الشعب وبكافة أطيافه وألوانه , ولكننا جميعا أسميناها بثورة الشباب لأنكم كنت عامودها الفقري وكنتم العامل الأبرز في بدايتها وإشعال فتيلها , ولم يشأ أي فرد أو جماعة أو جيل أن يختطف منكم الثورة وينسبها لنفسه رغم تضحيات الجميع فيها والمعروفة التي لا ينكرها أحد .
لقد دعيت أنا وصديق لي إلى تجمع شبابي بعد الثورة , واستبشرنا خيرا إذ أننا وربما للمرة الأولى سنلتقي بالشباب بلا متابعة ولا مراقبة وسنناقشهم وسيناقشوننا وسنقول كل ما نفكر فيه ولن نخشى أحدا إلا الله , وسنرتب فيه للعمل في الفترة القادمة في ضوء ما نتفق عليه , وذهبنا منشرحي الصدر وإذا بنا بعد عدة لقاءات نجدهم قد أحالونا إلى لجان الموت الإكلينيكي المسماة بلجان الحكماء , فهل كان قدرنا - كجيل كامل - خلال النظام البائد أن نهمش ولا يسمع صوتنا ولا نجد فرصة للتعبير عن أفكارنا , وهل أصبح هذا قدرنا معكم أنتم أيضا يا شباب الثورة , ولمصلحة من نُظلم ونُهمش مرتين قبل الثورة وبعدها ؟ والظلم في هذه المرة على أيديكم أشد مرارة .
إن احترام الكبير - الذي نفتقده الآن في أماكن كثيرة - معنى راق من المعاني الأصيلة التي تربى عليها المجتمع المصري كله والذي استمده من ديننا الحنيف الذي يأمر بحسن معاملة الكبير بالتوقير الذي يستحقه ففي الحديث الذي رواه الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن عمرو قال حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :" ليس منا من لم يرحم صغيرنا ، ويعرف حق كبيرنا " .بل وكان الرسول صلى الله عليه وسلم على عِظم مكانته وقدره في نفوس أصحابه وعلى كِبر سنه في فتح مكة يحترم من هو أكبر منه سنا فقال لأبي بكر حين جاءه بوالده أبي قحافة مسلما " ألا تركته في بيته ونذهب نحن إليه " احتراما لكبر سنه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق