من أكبر الأخطاء التى يمكن أن يرتكبها النظام السياسى فى أى بلد من البلدان أن يستخف بإرادة شعبه ويتصور دائما أنه الأقوى والأذكى فيختار الاستبداد طريقا والبطش والطغيان أقرب الطرق ليحقق أهدافه..
إن الشعوب قد تصبر بعض الوقت ولكن لكل شىء نهاية.. هناك سؤال حائر يدور فى مصر الآن بل إنه يطرح نفسه فى كل الأقطار العربية: لماذا قامت الثورة فى مصر يوم 25 يناير.. وهل خرجت فجأة وسط هذا الركام وكل هذا الصمت الأبدى لتعلن ميلاد زمن جديد؟
من الخطأ أن نتصور أن ثورة الشباب المصرى جاءت من فراغ أو أنها كانت خارج سياق الأحداث فى مصر..
هناك ظواهر كثيرة سبقت الزلزال ولو أن أحدا قرأها قراءة صحيحة لاكتشف أن الزلزال أرسل رسائل كثيرة لم يقرأها أحد فلم يخرج المصريون إلى ميدان التحرير فجأة ولكنهم خرجوا قبل ذلك مئات المرات إلا أن النظام الحاكم لم يكن قادرا على أن يقرأ شواهد الزلزال..
خرج المصريون مع كفاية و6 أبريل وخالد سعيد والبرادعى والمحلة والضريبة العقارية وضحايا الدويقة ومنشية ناصر والطريق الدولى..
كلنا كان يتابع ما حدث فى المظاهرات الفئوية التى شملت كل قطاعات المجتمع، ابتداء بالقضاة وأساتذة الجامعات وانتهاء بالضريبة العقارية وعشرات الآلاف الذين تجمعوا أمام مجلس الوزراء ومجلسى الشعب والشورى ولم يخرج لهم أحد..
كلنا يذكر ما حدث فى المحلة وهذه المعركة الضارية التى دارت بين المواطنين وقوات الأمن. كانت أحداث المحلة ثورة حقيقية لم تنجح لأن الأمن تعامل معها بمنتهى الوحشية..
وكلنا يذكر ثورات المواطنين فى المحافظات والصدام الدائم مع قوات الأمن والاعتماد على هذه القوات فى كل شىء ابتداء بالمظاهرات الطلابية وانتهاء بمظاهرات الخبز والبوتاجاز..
كلنا يذكر كيف قطع المتظاهرون الطريق الدولى وخرجوا بالجرادل يبحثون عن مياه الشرب..
وكلنا يذكر ما حدث فى كنيسة العمرانية وكنيسة القديسين بالإسكندرية وكلها كانت بوادر انفلات خطير فى حياة المصريين..
كلنا يذكر خطب المسئولين وكيف كان الخطاب السياسى بعيدا تماما عن هموم المواطنين ابتداء برأس الدولة وكلماته حول الزيادة السكانية والفقر والجوع والعشوائيات وقضايا المواطنين التى بقيت بلا حلول..
كلنا يذكر أحوال المصريين فى منتجعات الخنازير التى نقلها الإعلام المصرى وما حدث بعد ذلك فى الدويقة حينما سقطت كتل جبل المقطم على المواطنين الغلابة وتوارى الآلاف منهم تحت الأنقاض..
كلنا يذكر ما حدث لعبارة السلام و1200 مواطن ماتوا غرقا لأن قوات الإنقاذ تأخرت ولأنه لا يوجد مسئول يستطيع إيقاظ رأس النظام ليعطى أوامره لحرس السواحل لإنقاذ الغرقى..
كلنا يذكر عشرات الاجتماعات التى لم تصل إلى شىء حقيقى يغير حياة المواطنين فلم تكن أكثر من صور على الشاشات بين المسئولين فى الدولة..
كلنا يذكر ما حدث حول قضية تصدير الغاز لإسرائيل والرفض الشعبى الذى لم يسمعه أحد.. وقضية مياه النيل وتوابعها من الإهمال والتعالى وغرور السلطة..
وبعد ذلك كلنا يعلم كيف تم تزييف إرادة الشعب فى انتخابات مزورة شهد عليها العالم كله، وحين وقف بعض المعارضين يرفضون النتائج المزورة كان الرد التاريخى «خليهم يتسلوا»..
وكان عقلاء هذا الشعب يشاهدون ما يحدث وأمامهم تبدو حركة الزلزال وهى تشتد مع مرور الوقت وتكدس الأخطاء..
علامات كثيرة ظهرت على سطح الأرض تؤكد أن الزلزال قادم ولكن لم يكن هناك الصوت العاقل الذى ينبه ويكشف وينذر وسط هذا الانفلات الذى اجتاح الشارع المصرى..
إذا كانت هناك شواهد بأن الزلزال قادم فهناك أيضا أسباب كثيرة أخرى مهدت لهذا الزلزال..
كانت قضية التوريث من أخطر القضايا التى أدت إلى زيادة الفجوة بين الشعب والنظام، خاصة أن هذه القضية أصبحت الشغل الشاغل لكل مؤسسات الدولة فى مصر..
والغريب أن كل شىء كان يدور حولها ولا يستطيع أحد أن يضعها فى سياق من الحوار بين الشعب والنظام.. إنها تشبه الأشياء الخفية التى يتحدث الجميع عنها ولكنها لا تظهر ولا أحد يراها..
كانت قضية التوريث واحدة من أخطر القضايا التى أدت إلى إهمال كل قضايا المواطنين ابتداء بالخدمات وانتهاء برغيف الخبز..
كان الصعود المفاجئ بلا مقدمات لجمال مبارك من أخطر التطورات التى شهدتها الساحة السياسية وقد ترتبت عليه نتائج خطيرة..
كانت قضية التوريث سببا رئيسيا فى صعود رجال الأعمال ووصولهم إلى سلطة القرار، حيث تجمعت فى أيديهم سلطة المال وسلطة القرار..
ومع دعوى تطوير الحزب الوطنى كان الاستيلاء على الحزب والحكومة وهنا استطاع فريق التوريث أن يفرض قبضته الحديدية على كل مؤسسات الدولة بما فى ذلك المؤسسة الأمنية..
وحين اجتمعت سلطة الأمن وقوة المال فى يد جماعة التوريث تصور هؤلاء أن السطو على السلطة لم يعد شيئا بعيدا خاصة أنهم وضعوا أيديهم على الحزب والحكومة والمال والمؤسسة الأمنية..
وهنا يمكن أن يقال إن النظام أصبح مجرد هياكل يديرها رجال الأعمال، حيث اتجهت إلى مجموعة أشخاص كل موارد الدولة من الأراضى والمشروعات بيعا وشراء وتجارة واختلط نشاط الوزراء برجال الأعمال بالأسرة الحاكمة لتصبح مصر مجرد عزبة لعدد من الأشخاص..
وبجانب هذا زادت المسافة بين مؤسسات الدولة والمواطنين حتى وصلت إلى ما يشبه القطيعة الكاملة..
وقد ترتب أيضا على مشروع التوريث حالة من الشعور بالاستخفاف تجاه الشعب وقد تجسد ذلك فى نتائج الانتخابات التشريعية وما حدث فيها من أعمال التزوير والبلطجة وإهدار حق المواطنين..
كانت قضية التوريث واحدة من أخطر قضايا سقوط النظام، حيث تركز كل الاهتمام إلى هذه القضية مع إهمال شديد لكل قضايا المجتمع الأخرى..
لقد صغرت مصر فى كل شىء حتى أصبحت قضية التوريث هى قضيتها الأولى وسبقت كل شىء بما فى ذلك إطعام الشعب وأمنه واستقراره ودوره ومسئولياته، لقد تم اختصار مصر الوطن فى أب يحكم وابن ينتظر دوره وعصابة سرقت وطن..
كانت أحوال المعيشة وارتفاع نسبة الفقر بين المواطنين وسوء الأحوال فى العشوائيات والتفاوت الطبقى الرهيب الذى عاد بنا إلى مجتمع الربع فى المائة وليس النصف..
مع عمليات السطو التى شهدتها موارد الدولة فى بيع القطاع العام فى برنامج الخصخصة وتوزيع الأراضى والإهمال الشديد فى صحة المواطنين وارتفاع أسعار السلع وزيادة الفجوة بين المواطنين وأصحاب القرار، وللأسف الشديد فإن النظام بكل مؤسساته أغلق جميع الأبواب وسيطرت عليه حالة من اللامبالاة والتعالى الشديد فى مخاطبة المواطنين وتحولت مصر إلى «عزبة» يديرها عدد قليل من رجال الأعمال والمسئولين..
أمام اختلال منظومة العدالة الاجتماعية اختلت منظومة القيم وأصبح السعى وراء المال حقا مشروعا، حلالا أم حراما وأصبحت العلاقات العامة والرشاوى والعلاقة مع السلطة أقصر الطرق إلى الثراء وجمع المال..
زادت سطوة وطغيان مؤسسة الأمن حين أطلق النظام يدها فى كل شىء حتى إنها أصبحت تدير كل شئون الدولة وملفاتها ابتداء بملف التوريث ونقل السلطة وانتهاء بقضايا العمال والفلاحين والقضاة وأساتذة الجامعات ومؤسسات الدولة بكل ألوانها..
لقد تحولت مؤسسة الأمن إلى دولة مستقلة لا تخضع لأى سلطان آخر..
وزادت أعداد هذه المؤسسة وأطلقت يدها فى كل شىء ابتداء بضرب المظاهرات وانتهاء بالحرس الجامعى وتقارير أمن الدولة والاعتقالات والسجون..
تحولت الدولة المصرية إلى حاكم ومؤسسة بوليسية وغابت كل مقومات الدولة الأخرى..
وأمام طغيان الأمن وجبروته تصور النظام أن هذه القبضة الحديدية قادرة على إدارة شئون الدولة دون أى اعتبار لإرادة الشعب وحقوقه ومطالبه..
وحين انكسرت هذه القبضة الحديدية أمام شباب الثورة يوم 25 يناير انهار النظام بكل مؤسساته ولم يعد هناك غير القوات المسلحة مصدرا للأمن والحماية..
فى السنوات الأخيرة انتهى دور النخبة المصرية فى حظيرة الدولة التى جمعت أعدادا كبيرة من أصحاب المصالح من المثقفين وأهل الفكر ومع تهجين وترويض الأحزاب السياسية تراجع دورها وفقدت وجودها وتأثيرها فى الشارع المصرى..
وقد تصور النظام الحاكم أن كل شىء يمهد الطريق للتوريث ابتداء بقناعات النخبة التى تجمعت فى حظيرة السلطة وانتهاء بالانتخابات المزورة التى وضعت تصورا كاملا لانتقال السلطة من خلال مجلس شورى مزور ومجلس لا يمثل الشعب الحقيقى ومؤسسات فقدت هويتها وشعب استسلم للطغيان..
وقد واكب ذلك تراجعا للدور المصرى على كل المستويات لكى تتناسب مع دورها وحجمها الصغير مع الوريث القادم..
كان الدور الثقافى المصرى قد تراجع عربيا.. وكان الدور السياسى قد تقلص فى كل شىء ولم يعد يتجاوز العلاقات مع إسرائيل وتلقى الأوامر من واشنطن..
واختفت مصر الدولة الرائدة من الساحة العربية أمام مطامع كثيرة تسعى لكى ترث الدور المصرى الغائب..
ومع اختفاء رموز النخبة من أهل الرأى والفكر والبصيرة تهمشت قضايا الحرية أمام التعسف الأمنى والإصرار على فرض كل شىء على الشعب ابتداء بسطوة رجال الأعمال وانتهاء بفرض ملف التوريث..
وهنا أيضا اختفت منظومة أخرى هى العدالة وتكافؤ الفرص فأصبحت مصر حقا مستباحا لعدد من الأشخاص نهبوا ثروتها وباعوا تراثها واستباحوا مستقبلها، وأمام هذه الواقع القبيح فى كل أشكاله خرجت الثورة من ربيع هذا الوطن ليتصدر شبابها مسيرة الحرية وتتهاوى أمام دماء الشهداء معاقل الفساد لتحمل معها كل ما صنع من الهياكل الأمنية التى سقطت فى لحظات.
وخلال أسبوعين كانت الثورة قد شيدت زمانا جديدا وعمرا جديدا لهذا الشعب الذى تصور البعض يوما أنه قد استكان للقهر والاستبداد وكانت مفاجأة الثورة أحد معجزات هذا الشعب رغم أن زمان المعجزات قد مضى..
واهتزت الأرض وحدث الزلزال ومازالت توابعه تطيح كل يوم برأس جديد من رءوس الفساد وكان موقف جيش مصر العظيم وهو يحمى ثورة الشعب بكل طوائفه وأعماره تتويجا لهذا الحدث التاريخى الفريد وتوحدت إرادة الشعب والجيش لتكتب صفحات مضيئة فى تاريخ مصر المعاصر..
إن الثورة لم تخرج فجأة من تراب هذا الوطن ولكن هناك أحداثا وأشخاصا وأفكارا مهدت لهذا الزلزال الذى اهتزت به أركان العالم كله وحمل لمصر زمانا جديدا..
إن الشعوب قد تصبر بعض الوقت ولكن لكل شىء نهاية.. هناك سؤال حائر يدور فى مصر الآن بل إنه يطرح نفسه فى كل الأقطار العربية: لماذا قامت الثورة فى مصر يوم 25 يناير.. وهل خرجت فجأة وسط هذا الركام وكل هذا الصمت الأبدى لتعلن ميلاد زمن جديد؟
من الخطأ أن نتصور أن ثورة الشباب المصرى جاءت من فراغ أو أنها كانت خارج سياق الأحداث فى مصر..
هناك ظواهر كثيرة سبقت الزلزال ولو أن أحدا قرأها قراءة صحيحة لاكتشف أن الزلزال أرسل رسائل كثيرة لم يقرأها أحد فلم يخرج المصريون إلى ميدان التحرير فجأة ولكنهم خرجوا قبل ذلك مئات المرات إلا أن النظام الحاكم لم يكن قادرا على أن يقرأ شواهد الزلزال..
خرج المصريون مع كفاية و6 أبريل وخالد سعيد والبرادعى والمحلة والضريبة العقارية وضحايا الدويقة ومنشية ناصر والطريق الدولى..
كلنا كان يتابع ما حدث فى المظاهرات الفئوية التى شملت كل قطاعات المجتمع، ابتداء بالقضاة وأساتذة الجامعات وانتهاء بالضريبة العقارية وعشرات الآلاف الذين تجمعوا أمام مجلس الوزراء ومجلسى الشعب والشورى ولم يخرج لهم أحد..
كلنا يذكر ما حدث فى المحلة وهذه المعركة الضارية التى دارت بين المواطنين وقوات الأمن. كانت أحداث المحلة ثورة حقيقية لم تنجح لأن الأمن تعامل معها بمنتهى الوحشية..
وكلنا يذكر ثورات المواطنين فى المحافظات والصدام الدائم مع قوات الأمن والاعتماد على هذه القوات فى كل شىء ابتداء بالمظاهرات الطلابية وانتهاء بمظاهرات الخبز والبوتاجاز..
كلنا يذكر كيف قطع المتظاهرون الطريق الدولى وخرجوا بالجرادل يبحثون عن مياه الشرب..
وكلنا يذكر ما حدث فى كنيسة العمرانية وكنيسة القديسين بالإسكندرية وكلها كانت بوادر انفلات خطير فى حياة المصريين..
كلنا يذكر خطب المسئولين وكيف كان الخطاب السياسى بعيدا تماما عن هموم المواطنين ابتداء برأس الدولة وكلماته حول الزيادة السكانية والفقر والجوع والعشوائيات وقضايا المواطنين التى بقيت بلا حلول..
كلنا يذكر أحوال المصريين فى منتجعات الخنازير التى نقلها الإعلام المصرى وما حدث بعد ذلك فى الدويقة حينما سقطت كتل جبل المقطم على المواطنين الغلابة وتوارى الآلاف منهم تحت الأنقاض..
كلنا يذكر ما حدث لعبارة السلام و1200 مواطن ماتوا غرقا لأن قوات الإنقاذ تأخرت ولأنه لا يوجد مسئول يستطيع إيقاظ رأس النظام ليعطى أوامره لحرس السواحل لإنقاذ الغرقى..
كلنا يذكر عشرات الاجتماعات التى لم تصل إلى شىء حقيقى يغير حياة المواطنين فلم تكن أكثر من صور على الشاشات بين المسئولين فى الدولة..
كلنا يذكر ما حدث حول قضية تصدير الغاز لإسرائيل والرفض الشعبى الذى لم يسمعه أحد.. وقضية مياه النيل وتوابعها من الإهمال والتعالى وغرور السلطة..
وبعد ذلك كلنا يعلم كيف تم تزييف إرادة الشعب فى انتخابات مزورة شهد عليها العالم كله، وحين وقف بعض المعارضين يرفضون النتائج المزورة كان الرد التاريخى «خليهم يتسلوا»..
وكان عقلاء هذا الشعب يشاهدون ما يحدث وأمامهم تبدو حركة الزلزال وهى تشتد مع مرور الوقت وتكدس الأخطاء..
علامات كثيرة ظهرت على سطح الأرض تؤكد أن الزلزال قادم ولكن لم يكن هناك الصوت العاقل الذى ينبه ويكشف وينذر وسط هذا الانفلات الذى اجتاح الشارع المصرى..
إذا كانت هناك شواهد بأن الزلزال قادم فهناك أيضا أسباب كثيرة أخرى مهدت لهذا الزلزال..
كانت قضية التوريث من أخطر القضايا التى أدت إلى زيادة الفجوة بين الشعب والنظام، خاصة أن هذه القضية أصبحت الشغل الشاغل لكل مؤسسات الدولة فى مصر..
والغريب أن كل شىء كان يدور حولها ولا يستطيع أحد أن يضعها فى سياق من الحوار بين الشعب والنظام.. إنها تشبه الأشياء الخفية التى يتحدث الجميع عنها ولكنها لا تظهر ولا أحد يراها..
كانت قضية التوريث واحدة من أخطر القضايا التى أدت إلى إهمال كل قضايا المواطنين ابتداء بالخدمات وانتهاء برغيف الخبز..
كان الصعود المفاجئ بلا مقدمات لجمال مبارك من أخطر التطورات التى شهدتها الساحة السياسية وقد ترتبت عليه نتائج خطيرة..
كانت قضية التوريث سببا رئيسيا فى صعود رجال الأعمال ووصولهم إلى سلطة القرار، حيث تجمعت فى أيديهم سلطة المال وسلطة القرار..
ومع دعوى تطوير الحزب الوطنى كان الاستيلاء على الحزب والحكومة وهنا استطاع فريق التوريث أن يفرض قبضته الحديدية على كل مؤسسات الدولة بما فى ذلك المؤسسة الأمنية..
وحين اجتمعت سلطة الأمن وقوة المال فى يد جماعة التوريث تصور هؤلاء أن السطو على السلطة لم يعد شيئا بعيدا خاصة أنهم وضعوا أيديهم على الحزب والحكومة والمال والمؤسسة الأمنية..
وهنا يمكن أن يقال إن النظام أصبح مجرد هياكل يديرها رجال الأعمال، حيث اتجهت إلى مجموعة أشخاص كل موارد الدولة من الأراضى والمشروعات بيعا وشراء وتجارة واختلط نشاط الوزراء برجال الأعمال بالأسرة الحاكمة لتصبح مصر مجرد عزبة لعدد من الأشخاص..
وبجانب هذا زادت المسافة بين مؤسسات الدولة والمواطنين حتى وصلت إلى ما يشبه القطيعة الكاملة..
وقد ترتب أيضا على مشروع التوريث حالة من الشعور بالاستخفاف تجاه الشعب وقد تجسد ذلك فى نتائج الانتخابات التشريعية وما حدث فيها من أعمال التزوير والبلطجة وإهدار حق المواطنين..
كانت قضية التوريث واحدة من أخطر قضايا سقوط النظام، حيث تركز كل الاهتمام إلى هذه القضية مع إهمال شديد لكل قضايا المجتمع الأخرى..
لقد صغرت مصر فى كل شىء حتى أصبحت قضية التوريث هى قضيتها الأولى وسبقت كل شىء بما فى ذلك إطعام الشعب وأمنه واستقراره ودوره ومسئولياته، لقد تم اختصار مصر الوطن فى أب يحكم وابن ينتظر دوره وعصابة سرقت وطن..
كانت أحوال المعيشة وارتفاع نسبة الفقر بين المواطنين وسوء الأحوال فى العشوائيات والتفاوت الطبقى الرهيب الذى عاد بنا إلى مجتمع الربع فى المائة وليس النصف..
مع عمليات السطو التى شهدتها موارد الدولة فى بيع القطاع العام فى برنامج الخصخصة وتوزيع الأراضى والإهمال الشديد فى صحة المواطنين وارتفاع أسعار السلع وزيادة الفجوة بين المواطنين وأصحاب القرار، وللأسف الشديد فإن النظام بكل مؤسساته أغلق جميع الأبواب وسيطرت عليه حالة من اللامبالاة والتعالى الشديد فى مخاطبة المواطنين وتحولت مصر إلى «عزبة» يديرها عدد قليل من رجال الأعمال والمسئولين..
أمام اختلال منظومة العدالة الاجتماعية اختلت منظومة القيم وأصبح السعى وراء المال حقا مشروعا، حلالا أم حراما وأصبحت العلاقات العامة والرشاوى والعلاقة مع السلطة أقصر الطرق إلى الثراء وجمع المال..
زادت سطوة وطغيان مؤسسة الأمن حين أطلق النظام يدها فى كل شىء حتى إنها أصبحت تدير كل شئون الدولة وملفاتها ابتداء بملف التوريث ونقل السلطة وانتهاء بقضايا العمال والفلاحين والقضاة وأساتذة الجامعات ومؤسسات الدولة بكل ألوانها..
لقد تحولت مؤسسة الأمن إلى دولة مستقلة لا تخضع لأى سلطان آخر..
وزادت أعداد هذه المؤسسة وأطلقت يدها فى كل شىء ابتداء بضرب المظاهرات وانتهاء بالحرس الجامعى وتقارير أمن الدولة والاعتقالات والسجون..
تحولت الدولة المصرية إلى حاكم ومؤسسة بوليسية وغابت كل مقومات الدولة الأخرى..
وأمام طغيان الأمن وجبروته تصور النظام أن هذه القبضة الحديدية قادرة على إدارة شئون الدولة دون أى اعتبار لإرادة الشعب وحقوقه ومطالبه..
وحين انكسرت هذه القبضة الحديدية أمام شباب الثورة يوم 25 يناير انهار النظام بكل مؤسساته ولم يعد هناك غير القوات المسلحة مصدرا للأمن والحماية..
فى السنوات الأخيرة انتهى دور النخبة المصرية فى حظيرة الدولة التى جمعت أعدادا كبيرة من أصحاب المصالح من المثقفين وأهل الفكر ومع تهجين وترويض الأحزاب السياسية تراجع دورها وفقدت وجودها وتأثيرها فى الشارع المصرى..
وقد تصور النظام الحاكم أن كل شىء يمهد الطريق للتوريث ابتداء بقناعات النخبة التى تجمعت فى حظيرة السلطة وانتهاء بالانتخابات المزورة التى وضعت تصورا كاملا لانتقال السلطة من خلال مجلس شورى مزور ومجلس لا يمثل الشعب الحقيقى ومؤسسات فقدت هويتها وشعب استسلم للطغيان..
وقد واكب ذلك تراجعا للدور المصرى على كل المستويات لكى تتناسب مع دورها وحجمها الصغير مع الوريث القادم..
كان الدور الثقافى المصرى قد تراجع عربيا.. وكان الدور السياسى قد تقلص فى كل شىء ولم يعد يتجاوز العلاقات مع إسرائيل وتلقى الأوامر من واشنطن..
واختفت مصر الدولة الرائدة من الساحة العربية أمام مطامع كثيرة تسعى لكى ترث الدور المصرى الغائب..
ومع اختفاء رموز النخبة من أهل الرأى والفكر والبصيرة تهمشت قضايا الحرية أمام التعسف الأمنى والإصرار على فرض كل شىء على الشعب ابتداء بسطوة رجال الأعمال وانتهاء بفرض ملف التوريث..
وهنا أيضا اختفت منظومة أخرى هى العدالة وتكافؤ الفرص فأصبحت مصر حقا مستباحا لعدد من الأشخاص نهبوا ثروتها وباعوا تراثها واستباحوا مستقبلها، وأمام هذه الواقع القبيح فى كل أشكاله خرجت الثورة من ربيع هذا الوطن ليتصدر شبابها مسيرة الحرية وتتهاوى أمام دماء الشهداء معاقل الفساد لتحمل معها كل ما صنع من الهياكل الأمنية التى سقطت فى لحظات.
وخلال أسبوعين كانت الثورة قد شيدت زمانا جديدا وعمرا جديدا لهذا الشعب الذى تصور البعض يوما أنه قد استكان للقهر والاستبداد وكانت مفاجأة الثورة أحد معجزات هذا الشعب رغم أن زمان المعجزات قد مضى..
واهتزت الأرض وحدث الزلزال ومازالت توابعه تطيح كل يوم برأس جديد من رءوس الفساد وكان موقف جيش مصر العظيم وهو يحمى ثورة الشعب بكل طوائفه وأعماره تتويجا لهذا الحدث التاريخى الفريد وتوحدت إرادة الشعب والجيش لتكتب صفحات مضيئة فى تاريخ مصر المعاصر..
إن الثورة لم تخرج فجأة من تراب هذا الوطن ولكن هناك أحداثا وأشخاصا وأفكارا مهدت لهذا الزلزال الذى اهتزت به أركان العالم كله وحمل لمصر زمانا جديدا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق