الاثنين، 25 أبريل 2011

الشعب يريد تطهير القضاء

الارتياح الذي يستشعره كثيرون إزاء التحقيقات التي تجريها النيابة العامة بشأن الفساد والجرائم التي ارتكبت في ظل النظام السابق، يقابله قلق البعض من الخطوة التالية التي بمقتضاها يحاكم المسؤولون عن كل ذلك أمام القضاء،


ولئن بقي القضاء إحدى القلاع الحصينة التي ظلت صامدة أمام ضغوط وإملاءات ذلك العهد، إلا أن أحدا لا ينكر أن تلك القلعة شهدت اختراقات أمنية ظلت بمثابة البقع السوداء في الثوب الأبيض، وهو أمر مفهوم، لأن النظام البوليسي الذي استمر ثلاثة عقود لم يترك مؤسسة في مصر إلا واخترقها وحاول تجنيدها لحسابه، بصرف النظر عن حجم تلك المؤسسة أو مجال عملها، حتى لو كانت جمعية لدفن الموتى، وما استعصى على الاختراق إما حوصر وجُمِّد، أو هدم بالكامل، بل أزعم أنه ما من شخصية عامة ظهرت في مصر إلا وتعرضت لذلك الاختبار، ولي تجربة شخصية في هذا الصدد، لا مجال للتفصيل فيها الآن.


مؤسسة القضاء عانت لما تعرضت له بقية مؤسسات المجتمع، ولابد أن نحمد الله على أن «ثوبها» ظل على نقائه، وأن ما أصابها لم يتجاوز «البقع السوداء»، على العكس مما جرى لمؤسسات الإعلام ـ مثلا ـ التي حدث فيها العكس تماما، إذ نظرا لقوة تأثيرها فإنها خضعت للهيمنة الأمنية، حتى تحولت إلى ثوب داكن السواد، وأصبحت البقع البيضاء ـ النقط إن شئت الدقة ـ استثناء يحتاج إلى منظار مكبر لرصده.


ما دعاني إلى هذا الاستطراد هو ذلك اللغط عالي الصوت الذي يدور في أوساط أهل الغيرة والقانون في مصر، منذ أعلن أن أحد قضاة جهاز أمن الدولة سيتولى محاكمة وزير الداخلية الأسبق، الذي يتصدر قائمة المسؤولين عن الجرائم التي أهانت وأذلت ملايين المصريين، وتلك التي استهدفت جماهير 25 يناير الذين قتل منهم نحو 850 شخصا وأصيب أكثر من ستة آلاف، طبقا لما أعلنته لجنة تقصى الحقائق في الأسبوع الماضي.


أثار الموضوع في صحيفة «المصري اليوم» الدكتور حسن نافعة، مشيراً بوجه أخص إلى حالة القاضي عادل عبد السلام جمعة الذي كلف بنظر قضية وزير الداخلية الأسبق، في الوقت الذي يرعاه جهاز أمن الدولة، الذي اشترى له سيارته البيجو «رقمها ذكره الدكتور نافعة» وعين له سائقا، إضافة إلى طاقم للحراسة مكون من 11 شخصا، والسائق والحراس يتقاضون رواتبهم من وزارة الداخلية، وتلك كلها ملابسات تستوجب أمرين في ظل أي ظروف طبيعية هما:

محاسبة الرجل وتحديد موقف حازم منه بواسطة مجلس القضاء الأعلى، الذي يعد في الصف الأول من حراس القضاة وضمان نزاهته،


الأمر الثاني الذي هو من قبيل أضعف الإيمان، أن يتنحى الرجل عن نظر قضية وزير الداخلية، كي لا تبدو محاكمته وكأنها تمثيلية مكشوفة،


الكلام الذي نشر عن هذه الحالة بالغ الأهمية والخطورة، وهو يصدمنا مرتين،

مرة لأن وقائعه كاشفة للمدى الذي ذهب إليه جهاز أمن الدولة في سعيه لاستغلال القضاء ومحاولة تجنيد القضاة واستخدامهم لتغطية ممارساته القذرة،

ومرة ثانية لأن الوقائع التي ذكرت قوبلت بصمت مدهش يتعذر تفسيره أو قبوله، فلا حقق مع الرجل الذي نسبت إليه الوقائع الخطيرة، ولا حقق مع الكاتب الذي نشرها على الملأ.


معلوماتي أن مذكرة بالوقائع قدمت إلى مجلس القضاء الأعلى، وأن بعض كبار رجال القانون طلبوا من المجلس اتخاذ موقف يحفظ للقضاء كرامته وللعدالة حرمتها، وفي مقدمة هؤلاء المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض، والمستشار محمود الخضيري والمستشار سمير حافظ، المحاميان الآن.


في المذكرة التي قدمها المستشار الخضيري طالب بمحاسبة القضاة الذين ثبت بحقهم التواطؤ مع أجهزة الأمن في ظل النظام السابق، كما طالب بإحالة كل من ثبت عليهم الاشتراك في تزوير انتخابات 2005 من القضاة إلى الصلاحية،


أما الأستاذ سمير حافظ فقد حذر من سكوت القضاة على ما نشر بهذا الخصوص، لأن من شأن ذلك أن يفقد ثقة الأمة في قدرة القضاة على تطهير مجتمعهم، الأمر الذي يطعن مرفق القضاء في مقتل، إذ لم يهلك الذين قبلنا إلا لغيبة العدل بينهم. على حد تعبيره.


لأننا نريد أن نحتفظ بنصاعة الثوب، فلنا أن نرفع الصوت عاليا بالهتاف:

الشعب يريد تطهير القضاء.

..................

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق