السبت، 14 مايو 2011

نريده زئيراً لا نُباحاً

تزف إلينا صحف الصباح كل يوم أخبار ميلاد حزب جديد، يستلهم مبادئ وأهداف ثورة 25 يناير، أو يقوم على أكتاف بعض الشباب الذين أسهموا في الثورة.

ولا أجد غضاضة في ذلك الحماس الذي يدفع البعض إلى تأسيس حزب لهم، وأعتبر أن ذلك مؤشر على حالة من الإيجابية السياسية طرأت على المجتمع المصري بعد ثورة 25 يناير. إذ بعد سنوات العزوف عن السياسة والاستقالة منها، التي ظل «الحزب الوطني» خلالها محتكرا للسياسة وفارضا نفسه بقوة الأمن ممثلا وحيدا لشعب مصر، قدر لنا أن نشهد ذلك الحماس والتنافس على الانخراط في السياسة والحماس للمشاركة في العمل العام.

إن شئت فقل إن المصريين اكتشفوا بعد سقوط نظام مبارك أنهم استعادوا بلدهم، وأنهم أصبحوا مسؤولين عن إصلاحه وتسيير أموره، فاتجهوا إلى الوفاء باستحقاق تلك المسؤولية.
من ناحية أخرى، فليس لدي قلق من كثرة عدد الأحزاب، حيث أعتبر أن ذلك أمر طبيعي، وصحي أيضا. ذلك أنه بعد سنوات احتكار السياسة وإقصاء المجتمع وازدرائه، لا غرابة في أن يسعى المجتمع بواسطة ناشطيه لتعويض ذلك الحرمان، وإن ببعض الهرولة، وقد سبق أن ذكرت أنه بعد الحرب العالمية الثانية التي انكسرت فيها اليابان عقب إلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناجازاكي، تسابق الناشطون على النهوض بالبلد، وتشكل حينذاك 400 حزب، ظلت أعدادها تتناقص بمضي الوقت من خلال الممارسة حتى أصبحت الآن 12 حزبا، أقواها حزبان فقط يتداولان السلطة.

من هذه الزاوية فلا قلق من تعدد الأحزاب أو كثرتها، وطالما أن الجميع سيحتكمون في نهاية المطاف إلى صناديق الانتخاب، وسيتنافسون في جو من النزاهة والحرية، فإن ذلك يعني أن المجتمع هو الذي سيقرر الأحزاب الجديرة بالبقاء والاستمرار، وتلك التي ينبغي أن تختفي أو تأتلف مع غيرها.
لا أستطيع أن أخفي حفاوتي بأي أحزاب تخرج من رحم المجتمع وتعبر عن شيء فيه، بخلاف الأحزاب الوهمية الراهنة التي خرجت من مكاتب جهاز أمن الدولة وظلت ذيلا للحزب الوطني الحاكم في النظام السابق، لكن ذلك لا يمنعني من تحذير القائمين عليها من الوقوع في فخ التمويل الحرام الذي تلوح به بعض الجهات الغربية في الوقت الراهن، بدعوى «دعم الديمقراطية» (الولايات المتحدة وحدها رصدت 150 مليون دولار لهذا الغرض). ذلك أنني أتمنى ألا ننتقل من الأحزاب المغشوشة إلى طور الأحزاب المخترقة، خصوصا أن سماسرة دعم الديمقراطية ظهروا في القاهرة خلال الأسابيع الأخيرة ويتحركون الآن بهمة لترويج بضاعتهم.
عندي بعد ذلك ثلاث ملاحظات على الأحزاب الجديدة التي نشأت حتى الآن على الأقل:
< إنها قاهرية بالدرجة الأولى. بمعنى أنها تركز على جمهور العاصمة، وليس لها حضور يذكر في الدلتا أو الصعيد. وأخشى أن يكون السبب في ذلك ليس صعوبة أو كلفة التجول في الأقاليم، وإنما أيضا القرب من دائرة الضوء ووسائل الإعلام، ولا أقول من مقار السفارات الأجنبية والمنظمات الدولية.
< إنها تتشابه في برامجها. ذلك أن أهداف ومبادئ ثورة 25 يناير تكاد تكون واحدة، بالتالي فإن الفروق لا تكاد تذكر بين الأحزاب التي يفترض أن تستلهم تلك الأهداف والمبادئ. لذلك فإنه سيكون من الصعب على المواطن العادي ــ أو حتى الناشط السياسي ــ أن يختار بين حزب وآخر، نظرا لتشابه برامجها. وهو ما يعني أن معايير الانضمام إلى حزب دون آخر ستكون شخصية أو جهوية أو فئوية، ولن تكون سياسية أو موضوعية.
< إن تعدد تلك الأحزاب إذا كان سيثري الحياة السياسية، فإنه سيضعف تلك الأحزاب كثيرا إذا لم تأتلف فيما بينها عند خوض المعركة الانتخابية، إذ إن أصوات المؤيدين لثورة ومبادئ ثورة 25 يناير ستتوزع على الأحزاب، الأمر الذي لن يمكِّن أيا منها من الحصول على نسبة عالية من الأصوات.

وأحسب أن صيغة ائتلاف شباب الثورة الذي ضم 8 قوى أساسية أثناء الاعتصام في ميدان التحرير، بينها 4 حزبية وأخرى مثيلة لها غير حزبية، يمكن أن تشكل نموذجا ناجحا لترتيب خوض الانتخابات البرلمانية،

ذلك أن ائتلاف أحزاب الثورة، إذا أعلن فإنه يمكن أن يصبح منافسا قويا لأي حزب كبير يخوض الانتخابات، لأن وهج مبادئ الثورة لا يزال يحتل مكانته الرفيعة في الإدراك العام رغم مضي أكثر من ثلاثة أشهر على الثورة. وأذكِّر هنا ببيت الشعر الذي أطلقه أحمد شوقي يوما ما، وقال فيه:
صوت الشعوب من الزئير مجمع فإذا تفرق كان بعض نباح
إننا نريد صوت جماهير ثورة 25 يناير زئيرا يتردد في الفضاء، وليس نباحا تلتقطه الأسماع بصعوبة.
...................

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق