السبت، 14 مايو 2011

استنساخ بن لادن

من المصادفات ذات الدلالة أن يختفي أسامة بن لادن الذي كان رمزا لفكرة التغيير بالعنف المسلح في ذات الوقت الذي يتجه فيه العالم العربي إلى محاولة إحداث التغيير بالوسائل السلمية والديموقراطية ــ إذ في حين لم ينجح بن لادن في تغيير شيء في العالم العربي والإسلامي فإن الجماهير العزلاء نجحت في تحقيق ذلك التغيير في بلدين عربيين على الأقل، هما تونس ومصر، وهي مازالت «تجاهد» لبلوغ ذات الهدف في سوريا واليمن.


لست أعني أننا انتقلنا من طور إلى طور، وأن صفحة ما سمي بالإرهاب طويت بمقتل بن لادن، لكنني أقول إن وعي الجماهير العربية نضج بصورة نسبية، بحيث لم يعد نهج التغيير المسلح مقنعا لها، حتى الجماعات «الجهادية» التي تبنت ذلك الفكر وانطلقت منه في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي راجعت موقفها وأعادت النظر في سياساتها، وانحازت أخيرا إلى محاولة التغيير السلمي والديموقراطي، إذ أدركت أنها دفعت ثمنا باهظا للغاية ولم تتقدم خطوة واحدة باتجاه الهدف الذي كانت تنشده.


هل يعني ذلك أن مشروع بن لادن مات بموته، وأن العالم أصبح أكثر أمانا الآن، كما قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما؟ إجابتي بالنفي لسببين جوهريين هما: أن الرجل قتل بعد أن وجدت دعوته صداها في أكثر من منطقة في العالم العربي والإسلامي، حيث تحولت القاعدة من فكره مرتبطة بشخصه إلى نهج ارتضته بعض المجموعات الراديكالية، التي لم تكن لها بالضرورة صلة بالرجل أو بتنظيمه، السبب الثاني أن المظالم التي توجه ضد الجماهير المستضعفة كثيرا ما تمارس من خلال قمع لا سبيل إلى رده إلا بعنف مقابل.


إننا كثيرا ما نحصر اهتمامنا بممارسات التطرف أو الإرهاب، لكننا نتجاهل في أغلب الأحيان الظروف البيئية التي أفرزت المتطرفين أو الإرهابيين، لست أدعو إلى غض الطرف أو تبرير تلك الممارسات بطبيعة الحال، لكني أزعم أن تحري البيئة التي أفرزتها وعلاج ما فيها من ثغرات هو الوسيلة الأنجح في محاصرة الإرهاب والقضاء عليه.


وأذهب في هذا الصدد إلى أن ثمة تعمدا في تجاهل عنصر «البيئة» لأن تسليط الضوء عليه يعني مباشرة كشف مظالم الأنظمة التي تسحق الناس وتحولهم إلى قنابل غاضبة تمشي على الأرض، ومرشحة للانفجار في أي لحظة.


نموذج إسرائيل يفرض نفسه مباشرة على السياق في اللحظة الراهنة، ذلك أنه من غرائب عالم السياسة وأعاجيبه، ومن سخريات القدر أيضا، ألا تذكر جرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني ضمن العمليات الإرهابية، بل إن توصف مقاومة الاحتلال والاغتصاب الإسرائيليين بأنها هي الإرهاب!


من المفارقات أيضا أن الأنظمة المستبدة في العالم العربي، التي لم تتوقف عن إرهاب شعوبها يوما ما، استخدمت أجواء الحرب ضد الإرهاب لتصفية معارضيها ومضاعفة قمع شعوبها، وهي ذاتها الأنظمة التي تتحدى مظاهرات شعوبها التي خرجت هذه الأيام وهي عزلاء في تظاهرات سلمية تطالب بتغيير يحفظ لها كرامتها ويوقف الإهانات والانتهاكات التي تتعرض لها.


لقد كان ظهور بن لادن استجابة لظرف تاريخي، كانت التدخلات الأمريكية والسياسات القمعية المحلية من أبرز عناوينه، لكن الجديد في المشهد العربي أن فكرة التغيير السلمي أصبحت نموذجا مطروحا في الساحة، لكنها لم تتجذر بعد لسبب جوهري هو أن الأنظمة المعنية قابلت الدعوات السلمية بعنف نشهده الآن في ليبيا واليمن وسوريا، بل إن هذه الأنظمة استخدمت ميليشيات مسلحة لم تختلف كثيرا عن تنظيم القاعدة، في تحدي إرادة الشعوب وسحقها. وقد سميت كتائب القذافي بليبيا، والبلاطجة في اليمن، والشبيحة في سوريا. وكلهم من جنس واحد اختلفت مسمياته.


إن مقتل بن لادن لن يغير كثيرا من خرائط الواقع، لأن استمرار ظلم الأنظمة المستبدة سيرشح لنا آخرين يستنسخون الرجل، فيرفعون رايته ويسيرون على دربه. وأخشى أن تصبح فكرة التغيير السلمي بواسطة الجماهير في تونس ومصر، استثناء تاريخيا لا يقاس عليه، علما بأن الأصوليين يعتبرون أن الاستثناء لا حكم له.


إن ممارسات بعض القادة العرب الآن لا تختلف كثيرا عما فعله بن لادن، فهو قتل الأمريكيين وهم قتلوا شعوبهم، لكن الفرق الأساسي أن بن لادن كان زاهدا في الدنيا وعيناه معلقتان بآخرته،

أما أولئك القادة فلم يشبعوا لا من السلطة ولا من الثروة، وتملكتهم الدنيا طول الوقت.

..................

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق