الأربعاء، 20 أبريل 2011

مواطنون عاديون جدا

المتابع لما ينشر عن التحقيقات التي تجري مع أركان النظام السابق حول دورهم في الفساد المالي والتربح من وظائفهم يلاحظ أمرين:

الأول أن العقارات تشكل جزءا مهما من ثرواتهم،

والثاني أنهم يبررون ذلك بأنهم حصلوا على تلك العقارات بعدما تقدموا بطلبات شأنهم في ذلك شأن أي مواطن عادي، وسددوا قيمتها بالتقسيط، تماما كما فعل غيرهم.


وأرادوا بأقوالهم تلك الإيحاء بأنهم لم يستغلوا وظائفهم، وإنما اتبعوا القواعد والنظم التي يخضع لها كل المواطنين في بر مصر.


مما له دلالته ومغزاه في هذا الصدد أن الأغلبية الساحقة في تلك العقارات موزعة على مختلف المناطق العمرانية الجديدة التي أقامتها الدولة، سواء في المدن والأحياء الجديدة أو على السواحل والصحاري المطلة على البحرين الأبيض والأحمر، وليس مصادفة بطبيعة الحال أن يتزامن دخولهم إلى عالم الثراء العقاري، ومن ثم التحاقهم بطبقة المليونيرات، مع بدء التحاقهم بالسلطة، وأن تتزايد ملكياتهم العقارية طرديا مع تزايد نفوذهم وارتقائهم في مدارج السلطة.


لست أفهم المقصود بالمواطن العادي في هذه الحالة، لأن الوزير أو القيادي في الحزب أو الموظف الكبير في الرئاسة حين يتقدم بطلب لشراء قطعة أرض له وأخرى باسم زوجته وثالثة باسم الابن الأول والثاني والابنة الثالثة والرابعة، فإنه يملأ فعلا الاستمارة التي يقدمها كل مواطن عادي، لكنه يعطى أفضل مكان، ويستجاب له في أسرع وقت، ويتم التسامح معه في عدد القطع التي تحوزها الأسرة، ويتم التساهل معه في التقسيط. ويمكّن من بيع واحدة من القطع التي خصصت له لكي يسدد ــ على راحته ــ الأقساط المطلوبة منه.. إلخ.


حسب معلوماتي أن الأراضي الجديدة كانت تعرض أولا على كبار المسؤولين ليختار كل واحد منهم ما يروق له، ثم يفتح بعد ذلك باب الشراء للمواطنين العاديين حقا. وكانت النتيجة أنه ما من وزير أو مسؤول كبير حصل على قطعة أرض في موقع غير متميز أو بمساحة عادية.


وفي المنتجعات السياحية جميعها فإن الصفوف الأولى المطلة على البحر ظلت من نصيب أكابر النظام، والمسؤولون في الدولة في المقدمة منهم. ولا أعرف كيف يمكن أن يكون الأمر كذلك، ثم يقول هؤلاء في التحقيقات إنهم فعلوا ما يفعله أي مواطن عادي.


هذا التمسح في المواطن العادي، والاختباء وراء تلك الصفة لتحقيق الطموحات والأطماع خلال السنوات الأخيرة، حين كانت عجلة التمهيد للتوريث تتحرك والأفاكون وحملة المباخر يؤدون دورهم التقليدي في القيام بـ«الواجب».


وبأذني سمعت أكاديميا محترما يقول على شاشة التلفزيون إن الوريث يجب أن يعطى حقوق المواطن العادي، ولا ينبغي أن يحرم من حقه وأن يعاقب لأنه ابن الرئيس. إلى غير ذلك من الكلام المسكون بالاستعباط والنفاق، ذلك أن هؤلاء أنفسهم كانوا يعرفون جيدا أن الوريث المذكور مخلوق عادي حقا، بمعنى أن له يدين ورجلين وعينين وأذنين وفما ولسانا كأي كائن بشري آخر، ولكنه في خرائط الواقع ليس مواطنا عاديا بأي حال.


يدل على ذلك موكبه وحاشيته وسلطانه وإجراءات تأمينه التي كانت تمنع الحركة حينما ذهب على الأرض أو في الجو. وقد تندر المصريون عليه حين قالوا إنه طلب أن يشتري شقة من المحافظة في أسوان.


وحين أبلغ الرئيس بذلك كان رده: لا تحرموه حقوق المواطن العادي. وحين فعلوا ذلك حدثت مفاجأة أخرى. إذ تقدم الوريث بطلب إلى محافظة الإسكندرية لشراء شقة أخرى هناك. وحين رجع المسؤولون إلى الرئيس في الأمر فإنه أسمعهم نفس الرد. وبعد مرور عدة أشهر تقدم بطلب ثالث أراد به أن يوسع على نفسه وأن يصل ما بين الشقتين لكي تصبحا شقة كبيرة واحدة. والمعنى في المزحة واضح، فهذا «المواطن العادي» أراد أن يستحوذ على مصر كلها في نهاية المطاف.


الذي يتجاهله أولئك المسؤولون الذين يتمسحون الآن في المواطن العادي، إنه حتى إذا كان ادعاؤهم صحيحا، فإن كل العقود التي أبرموها لشراء الأراضي والقصور من الدولة أثناء وجودهم في السلطة تصبح باطلة وتشكل خرقا للدستور (الذي كان معمولا به آنذاك).


ذلك أن نصوصه الصريحة منعت رئيس الجمهورية والوزراء في حكومته وأعضاء مجلس الشعب من شراء أو استئجار أي شيء من أموال الدولة (المواد 81 و95 و158).


سألت قانونيا ضليعا عن تفسيره لفتح الباب واسعا لنهب كبار المسؤولين للثروة العقارية في مصر رغم مخالفة ذلك للدستور، فكان رده أنه خلال ثلاثين عاما، لم يكترث الرئيس السابق بالدستور إلا حين أراد أن يشدد من قبضة الأمن على المجتمع، وحين عمل على تمهيد الطريق لتوريث ابنه «المواطن العادي جدا».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق