الجمعة، 1 أبريل 2011

اطلاله الطواغيت الصغار

تهب علينا هذه الأيام رياح إرهاب جديد تتعدد أشكالها ومواقعها، إذ تطل في الإعلام والفيس بوك تارة، وفي دواوين الحكومة تارة ثانية، وفي قطاعات الإنتاج حينا ثالثة.

والرسالة التي نتلقاها من تجليات ذلك الإرهاب تقول ما خلاصته إن الطاغية ذهب وأخذ معه رمز الديكتاتورية الأكبر، لكن الطواغيت الصغار لا يزالون يعيشون بيننا، ويمارسون الديكتاتورية ذاتها، كل في محيطه وموقعه.
إن المرء لا يستطيع أن يخفي دهشته إزاء حملة التخويف والتخوين التي تظهر على الفيس بوك هذه الأيام، معلنة إدانة كل من أيد التعديلات الدستورية واتهامه بأنه ينتمي إلى الثورة المضادة ويشكل امتدادا لنظام مبارك.

بل إن بعض الأصوات التي عبرت عن هذا الموقف هددت باللجوء إلى العودة للاعتصام في ميدان التحرير إذا أيدت الأغلبية التعديلات، وهو موقف «فاشستي» على النقيض تماما من أي قبول ليس فقط بالرأي الآخر، ولكن أيضا برأي الأغلبية المفترضة في هذه الحالة.
لم آخذ على محمل الجد البيان الذي أصدره بعض الشبان داعين إلى كتابة الدستور من خلال مجموعات ميدان التحرير، وقولهم إن القانونيين والأكاديميين إذا ما قاموا بهذه المهمة فذلك يعد في رأيهم «سرقة للثورة».

إذ اعتبرت هذا الكلام نوعا من الرعونة والحماس المفرط الذي في ظله تختلط المعايير وتلتبس. لكن حين تردد التهديد باللجوء إلى ميدان التحرير لترهيب مؤيدي التعديلات،

تسرب إلي نوع من القلق أعاد إلى ذهني مصطلح «ديكتاتورية ميدان التحرير» التي أرجو ألا تكون استنساخا لديكتاتورية النظام السابق.
لقد أسيء فهم حفاوتنا بدور الشباب في ثورة 25 يناير، حتى أن بعضهم اعتبر الثورة ملكية حصرية لهم. وظنوا أنهم الممثل الشرعي الوحيد لها، وأنساهم ذلك أن حضور الشعب وصوته الهادر وحده الذي هز أركان النظام السابق وأسقطه.

كما أنساهم أدوار أجيال من الشرفاء سبقوهم على الدرب، وألقوا في الإدراك العام بذور الاحتجاج والغضب التي كانت ثورة الشعب ثمرة لها. لذلك بات من الضروري أن توضع الأمور في نصابها الصحيح، بحيث يعرف كل طرف قدره وحدوده، ويتعامل الجميع مع بعضهم البعض على أساس من التقدير والاحترام المتبادل. ذلك أننا ما تمنينا يوما ما أن نخرج من آثار احتكار السلطة والثروة إلى طور احتكار الحقيقة والثورة.
ثمة جو من الإرهاب تتردد أصداؤه أيضا في أوساط الدوائر الحكومية والوحدات الإنتاجية، ذلك أن بعض القيادات التنفيذية الجديدة أشاعت درجات مختلفة من الخوف في أجهزة الدولة، وبدلا من أن تنهض تلك القيادات بالدور الذي تقوم به تلك الأجهزة، فإنها تعاملت مع مسؤوليها على اعتبار أن الجميع فاسدون حتى يثبت العكس. وكانت نتيجة ذلك أنهم توقفوا عن العمل إحساسا منهم بأن هناك من يتصيد لهم ويضعهم في موضع الشك والاتهام.
لقد أثار انتباهي مثلا ما قاله وزير الصناعة والتجارة في أول مؤتمر صحفي عقده يوم الاثنين الماضي 14/3، من أن الأولوية القصوى لديه هي استئصال بؤر الفساد في الصناعة والتجارة،

وقد ركزت جريدة الأهرام على هذه النقطة وصاغت منها العنوان الرئيسي لتقريرها عن المؤتمر الصحفي، الأمر الذي يجعل خطابه نموذجا للفكرة التي أتحدث عنها. ذلك أن الوزير الجديد في ضوء تلك الأولوية ذهب إلى الوزارة محاربا وعينه على الماضي، ولم يذهب مستنهضا همة العاملين ومتطلعا إلى المستقبل.

أعني أنه ذهب لكي يستأصل لا لكي يبني. وحين يحدث ذلك في مرفق حساس يمس التجارة والصناعة في بلد يواجه ظروفا اقتصادية صعبة للغاية، ويمثل هذان المجالان طوق النجاة بالنسبة له. فهو يعني أن الوزير جاء ليفاقم المشكلة لا ليحلها.
الترهيب حاصل كذلك في العديد من المصانع، التي لجأ فيها العمال إلى الإضراب عن العمل والاعتصام، ومنهم من هدد بإحراق بعض المصانع، ومنهم من منع أصحابها من دخولها. وكانت النتيجة أن توقف العمل في تلك المصانع،

كما أن بعضها أصبح يعمل بنصف أو ربع طاقته. وأعرف أشخاصا قرروا إغلاق مصانعهم وقعدوا في بيوتهم حتى إشعار آخر.

ولم تكن المشكلة فقط أن بعض طلبات العمال مقبولة والبعض الآخر غير معقول، وإنما أيضا أنه لا توجد مرجعية عمالية موثوق فيها يمكن أن تتحدث باسم العمال المضربين وتتوصل إلى حلول منصفة مع أصحاب الأعمال.
أدري أن هذه الفوضى تحدث عادة في أعقاب الثورات على الأوضاع الفاسدة سياسية واقتصادية. لذلك فإنني لا أستغرب حدوثها، لكنني فقط أدعو إلى الانتباه إلى خطورة استمرارها وإلى أهمية وضع حد لها، بحيث تصبح الثورة انطلاقة إلى الأمام وليست انتكاسة إلى الوراء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق