السبت، 2 أبريل 2011

نحو منهج عملى لتفجير طاقات الطفل


أؤمن بمقولة أن لكل طفل موهبة في مكان ما بنفسه، من خلالها يستطيع التحليق في سماء الإبداع، والمهمة هنا تكون في اكتشاف تلك الموهبة وإثرائها، وتوجيهها نحو الخير والنافع له ولأمته (الإبداع). فلقد أثبتت الدراسات الحديثة أن نسبة المبدعين من الأطفال من سن الولادة حتى سن الخامسة تصل إلى 90% منهم، وعندما يصل هؤلاء الأطفال إلى سن السابعة تقل تلك النسبة لتصل إلى 10%، وما أن يصلوا إلى الثامنة حتى تحط الموهبة رحالها على 0.02% منهم فقط.


ولنأخذ عبرة من رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) وكيف كان يفجر طاقات ومواهب الصحابة (رضوان الله عليهم أجمعين) من حوله ليخرجوا كل مافي جعبتهم من إبداع ساهم في نشر الإسلام وازدهاره، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يعلم مدى قوة حفظ ونجابة زيد بن ثابت (رضي الله عنه)، فأمره بتعلم لغة اليهود فأتقنها في 16 يوما، وأدرك أن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) يحب القرآن ومدارسته وإعمال العقل وحب اللغة، فيرشده إلى طلب العلم بطريق غير مباشرة بدعوته له (اللهم علمه تأويل القرآن)، وفي رواية أخرى (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) وحاله مع خالد بن الوليد (رضي الله عنه) وإطلاقه لقب سيف الله المسلول عليه، لعلمه لحب خالد للجهاد.


وكذلك كان الحال في المجتمع الإسلامي عامة بعد الرسول (صلى الله عليه وسلم) فكان المجتمع يهيئ فرصًا متكافئة لكافة طوائف المجتمع وطبقاته؛ فلا فرق بين مولى وسيد، فشمل الإسلام بعدله جميع الناس وارتفع بمكانة الإنسان، وأفاد من جميع الطاقات والملكات.. فانظر إلى مكانة نافع مولى ابن عمر (رضي الله عنهما) والذي قال عنه البخاري: أصح الأسانيد.. مالك عن نافع عن ابن عمر (سلسلة الذهب).. وانظر إلى منزلة عكرمة مولى ابن عباس (رضى الله عنهما) الذي أعتقه وأذن له بالفتيا بعد أن انتهى إليه علم التفسير عنه، وأخذ من علمه سبعون أو يزيدون من أجلاء فقهاء التابعين.


وبالطبع فإن تلك المهمة لا تقع على عاتق الطفل الذي لم ينل من الدنيا أي خبرة بعد تكفيه لتلك المهمة الصعبة. إذن فالمسؤولية هنا تقع على عاتق الوالدين لاكتشاف ما عند أطفالهم من مواهب وتوجيهها نحو الإبداع. والموضوع ليس بصعب ولا مستحيل ولكنه يبدأ من الصغر.. فالمبدع لا ينزل من السماء مع المطر ولكنه يصنع صناعة، ولبناء طفل مبدع نحتاج إلى ثلاث خطوات رئيسة: 1


(1)اختيار من يمكنه أن يبدع

قال تعالى ( وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ) - (طه:41) ، فالله عز وجل قد اختار موسى (عليه السلام) ليكون نبيًا منذ صغره، وهذا اختيار مبكر لعلمه عز وجل بضخم حجم المسؤولية الملقاة على عاتق سيدنا موسى (عليه السلام)، وقد ذكرت في بداية المقالة أن كل أبنائنا يمكن لهم أن يبدعوا، والدراسات الحديثة أثبتت أن الذكاء العادي يكفي لإنتاج الإبداع، ومن هنا يستطيع كل شخص عاقل أن يكون مبدعًا، فالإبداع هو النظر للشيء بشكل غير مألوف.


2- وجود منهج علمي

يطبق بشكل عملي وبواسطة مربين مدربين، ولننظر إلى المنهج الإلهي الذي طبق مع سيدنا موسى (عليه السلام) في قوله تعالى (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) (طه: 39)، أي منهج رباني محكم لا هوى فيه ولا ضلال، بل بحكمة الله وعلمه سبحانه وتعالى.


3- التدرج في التطبيق

مع الصبر وعدم الاستعجال، فالزمن أحيانا يكون جزءا من العلاج، فالمنهج الرباني مع سيدنا موسى (عليه السلام) اتسم بالتدرج والواقعية، وقد تم ذلك التدرج خلال فترة زمنية طويلة وخطوات رفيقة.فنجده سبحانه وتعالى يبدأ مع موسى بأن يأمره برمي عصاه، فلما رأها تهتز خاف وجرى ولم يملك نفسه، لكن الله ناداه وقال له أقبل ولا تخف ( فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ، فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ ) - (القصص: 29-31).


وسكن الخوف قليلا في نفس موسى، ولكنه عاد مرة أخرى عندما أمره الله تعالى بالذهاب إلى فرعون ولكن بصورة أقل، فعبر عنه موسى بالكلام ( قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُون ) - (القصص: 33)، وكان العلاج الرباني هنا بإرسال أخيه هارون معه مع وعده تعالى بألا يصلوا إليهما بأذى ونحوه ( قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ) - (القصص: 35).


وبعد صولات وجولات مع فرعون وسحرته، جاء اليوم الموعود يوم الزينة يوم الاختبار الأكبر لنجاح المنهج الرباني مع موسى(عليه السلام)، فلما رأى موسى عصيهم تحولت إلى حيات تسعى، ظهر الخوف مرة أخرى ولكن بصورة أقل وهي كتمانه في نفسه، قال تعالى ( قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى، قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى، فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى، قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى، وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) - (طه: 65-69).


وهنا وصل موسى لدرجة عالية من الثقة بالله وبنصره وبوعده وعدم الخوف، وظهر ذلك جليًا حينما هرب وبني إسرائيل ولحقهم فرعون بجنوده عند البحر، خاف الناس كلهم واطمأن قلبه ( فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ، فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ، وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ، وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِين) - (الشعراء: 61-67).


ومن خلال تلك الخطوات الثلاث نستطيع بناء جيل مبدع مرتبط بالله –عز وجل - يعمل على خدمة دينه ورقي أمته، ولا يعاني من مشاكل الإبداع المعروفة، فلقد أثبتت الكثير من الدراسات الحديثة أن نسبة غير قليلة من المبدعين قد عانوا من مشاكل نفسية واضطرابات عقلية ونفسية، فقد ذكر الباحث «كارلسون» في دراسته لسير عدد من المبدعين أنه وجد أعراض مرض الذهان لدى: 30% من الروائيين، 35% من الشعراء والرسامين العظام، 25% من الرياضيين، 40% من عظماء الفلاسفة. ونقل «أوسشي» عن دراسة لسير حياة 47 كاتبا بريطانيًا مشهورًا، أن 38% منهم قد عولجوا من الهوس الاكتئابي المتكرر، ولكي لا يقع المبدعون والموهوبون من أبنائنا في مثل هذه المشاكل فلابد وأن نربطهم بالله تعالى ليكونوا ربانيين، لأن المبدع الرباني قلما يتعرض لمثل هذه الهزات النفسية العنيفة، والدليل على ذلك أن تاريخ أمتنا ملئ بمئات المبدعين الذين اتصلوا بالله تعالى حبا وإيمان، فامتلاءت حياتهم بالهدوء النفسي والسكينة القلبية، وهذا هي غاية التربية التي نأمل أن نوفق إليها مع أبنائنا
محمد مدحت عمار
مدير مدونة جيل النصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق