الثلاثاء، 5 أبريل 2011

فهمناهم ولم يفهمونا

فهمناهم وحفظناهم لكنهم لا يريدون أن يفهمونا،


إذ صار بوسع الواحد منا أن يتنبأ بكل الخطوات التي ستتخذها الأنظمة العربية لمواجهة تسونامي الغضب الذي يجتاح المنطقة من المحيط إلى الخليج،

لكن سلاطين زماننا يصرون على ألا يستقبلوا رسائلنا،

وإذا استقبلوها فإنهم يرفضون فضها وقراءة محتواها،

والذين يقرأونها منهم إما أنهم لا يصدقون أعينهم أو أنهم يعجزون عن استيعاب مضمونها.

ما يلفت النظر، والمدهش حقا، أن ردود أفعالهم واحدة في كل الأقطار. كأنهم يستلهمون قراءاتهم ومواقفهم من كتاب واحد وزع على الجميع، بحيث إن «السيناريو» الذي وقع في تونس نجده قد تكرر في مصر واليمن، وهو ذاته الذي تابعناه في البحرين والأردن، وفي سوريا أخيرا.


ولن أستغرب إذا وقعنا على المشاهد ذاتها حينما ينتفض أهل بقية الأقطار في العالم العربي، الأمر الذي يعني أنهم لا يكتفون بتجاهل رسائلنا فحسب، ولكنهم أيضا لا يتعلمون من خبرات بعضهم البعض، فيكررون نفس الأخطاء ولا يجددون في استجاباتهم.

إذ ما من بلد علا فيه صوت الناس بالتعبير عن الاحتجاج والغضب إلا وسمعنا ثلاثة ادعاءات:

أولها إن البلد مستهدف من القوى الشيطانية الخفية.

ثانيها إن ثمة عناصر مندسة ـ أصوليون بالدرجة الأولى ـ تحاول تشويه طهارة المحتجين عبر إذكاء الفتنة وإشاعة التخريب في البلاد.

وثالثها إن في الموضوع مؤامرة تحركها الأصابع الأجنبية.


وبعد إطلاق تلك القنابل الدخانية، تخرج علينا التصريحات والأبواق الرسمية محذرة من الخروج على الشرعية (التي اصطنعها النظام وصممها بحيث تخدم أغراضه).

وفي الوقت ذاته يدعي الجميع إلى وقف التظاهرات والانتقال من الشارع إلى ساحات الحوار، الذي تديره السلطة على أرضها وفي الساحة التي تحددها. ويتعزز ذلك الطلب بحجة الحيلولة دون تمكين «المندسين» من اختراق الصفوف وتهديد الاستقرار.


بالتوازي مع ذلك تطلق السلطة إشارات أخرى تتحدث عن اعتزامها اتخاذ مجموعة من الخطوات باتجاه الإصلاح، واعدة بتحقيق الانفراج السياسي، الذي يشمل إجراء الانتخابات البرلمانية وإلغاء قوانين الطوارئ وإطلاق سراح المسجونين والمعتقلين السياسيين.

وذلك جنبا إلى جنب مع التلويح بإمكانية تحسين الأحوال المعيشية وزيادة الرواتب في مسعى غير مباشر لرشوة الناس وإغوائهم.

لأن الجماهير فقدت الثقة في أنظمتها، وقد علمتها خبراتها أنها غير جادة في الإصلاح، وأن ما تريده حقا هو الالتفاف على الإصلاح من ناحية، وكسب الوقت لإضعاف وجه الغضب من ناحية ثانية. فإنها لا ترى بديلا عن استمرار التظاهر وممارسة الضغط من خلال الكتل البشرية التي تخرج إلى الشوارع والميادين.


وحينذاك يصبح الرد كالتالي:

الخطوة الأولى تتمثل في التعتيم على ما يجري، من خلال منع الصحفيين من الوصول إلى أماكن التظاهر، وقطع الاتصالات الهاتفية وتعطيل شبكة الإنترنت في البلد، مع التشويش على قناة الجزيرة


ـ في الخطوة الثانية تلجأ السلطات إلى اعتقال قادة المظاهرات.


وتأتي بعد ذلك الخطوة التي تعتبرها أجهزة إدارة الأزمة حاسمة للموقف، وتعتمد في ذلك على تحرك ثلاث فئات هي:

شرطة مكافحة الشغب

والبلطجية (في اليمن يسمونهم بلاطجة والكلمة تركية الأصل، حيث البلطجي وصف كان يطلق على حامل «البلطة» (القريبة من الفأس) وهو من كان يتقدم صفوف الجند لإزالة الأشجار التي تحول دون تقدمهم).

أما الفئة الثالثة فهم القناصة الذين يعتلون البنايات لإطلاق النار على المتظاهرين.

إن شئت فقل إن الانتفاضات التي حدثت في العالم العربي جميعها بدأت بغضب جماهيري رافض لمهانة الظلم الاجتماعي والسياسي. وقد واجهته الأنظمة بنيران القناصة وأسلحة البلطجية وهراوات قوات مكافحة الشغب المكهربة.


الناس أرادوا إصلاحا وكرامة والأنظمة ردت بقمعهم وسحقهم، الأمر الذي ترتب عليه إسالة دماء غزيرة وسقوط مئات الشهداء. وبتلك الدماء كتبت شهادة وفاة أنظمة عدة، بعضها سقط والبعض الآخر في الطريق إلى ذلك.

إنهم لا يريدون أن يفهموا أن صبر الشعوب على المهانة له حدود، ولا يريدون أن يعترفوا بأن الناس يريدون أن يعيشوا كمواطنين لهم الحق في الكرامة والكبرياء، في حين يصرون على التعامل معهم بحسبانهم مجرد رعايا لا يمارسون سوى «واجب» الامتثال والخضوع.


ليس ذلك فحسب ولكنهم لا يريدون أيضا أن يتعلموا مما يجري حولهم الأمر الذي يوقعهم في أخطاء غيرهم. لذلك فليس بمقدورنا أن نعذرهم أو نتعاطف معهم، وعليهم أن يدفعوا ثمن اختيارهم

محمد مدحت عمار
مدير مدونة جيل النصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق