السبت، 16 أبريل 2011

اعتذار واجب

أصدر النائب العام المصري قراره بالتحفظ على الرئيس السابق وولديه يوم الأربعاء 13 أبريل فإن ذلك كان إعلانا عن القطيعة مع النظام السابق،
تماما كما أن بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي صدر يوم الخميس 10 فبراير كان إعلانا عن الالتحاق بالثورة،


فيما بين التاريخين جرت فوق السطح وتحته مياه كثيرة، وتتابعت أحداث أثار بعضها لغطا وصل إلى حد التشكيك في موقف القيادة العسكرية واتهامها بالتهاون مع النظام السابق وبالتواطؤ معه تارة أخرى.

صحيح أننا لا نعرف ما وزن أو قيمة الأصوات التي سارعت إلى التشكيك أو توجيه الاتهام، لأن وسائل الاتصال الحديثة أتاحت لكل أحد أن يوصل رأيه إلى الآخرين، دون أن يتيح لنا ذلك أن نتحقق من مصدر ذلك الرأي أو مما يمثله،


لكن الشاهد أن سقف التوقعات والطموحات كان عاليا، بقدر ما إن حجم الغضب وعمق الشعور بالمهانة كان كبيرا، وظل كثيرون يتوقون لأن يجدوا رموز النظام السابق يحاسبون أمام محكمة الجنايات وليس فقط محكمة التاريخ، وعلى رأس أولئك الذين انتظر الناس مثولهم أمام القضاء رأس النظام الذي مارس الإذلال والمهانة بحق الشعب طوال ثلاثين عاما، ولم يسقط إلا بعد قتل 800 مصري وإصابة وجرح أكثر من عشرة آلاف مواطن.

لأن إعلام الثورة كان ضعيفا طول الوقت، وربما أيضا بسبب مبالغة أعضاء المجلس العسكري في التحوط والحذر، فإن الناس أصبحوا عرضة للبلبلة والحيرة، ولم يكن هناك ما يقنعهم بأن الأمور ماضية في الاتجاه الصحيح وأن النظام الجديد يرتب أوضاعه وسط ضغوط الانفلات الأمني وشبح الأزمة الاقتصادية،


من ثَمَّ فإن التأخر في إصدار قرارات محاسبة رموز النظام ربما كانت له مبرراته، ولا مفر من الاعتراف بأن شكوك الناس ازدادت حين وجدوا أن أعمدة النظام لا يزالون مطلقي السراح.


ولم يمكن أحد يعرف بالضبط ما إذا كانوا يتحركون أم أنهم صامتون يتفرجون، وارتفعت وتيرة الشكوك حين قيل إن وجود الرئيس السابق في شرم الشيخ يفتح الأبواب لهواجس واحتمالات كثيرة،


وحين تزامن ذلك مع ظهور الإشارات إلى «الثورة المضادة» في وسائل الإعلام، فإن البلبلة اتسع نطاقها ورجحت كفتها، الأمر الذي فتح الأبواب واسعة لإساءة الظن، ومن ثم القلق على مصير الثورة.

لم ينتبه كثيرون إلى أن المجلس العسكري كان ولا يزال يعمل تحت ضغوطات لا حصر لها،

ضغوط المسؤولية الجسيمة التي حمل بها، لكي يلبي احتياجات 84 مليون نسمة، أو يدير دفة بلد تعرض للنهب والإذلال طوال ثلاثين عاما حتى أوشكت سفينته على الغرق،

وضغوط الشارع الذي يتعجل طي صفحة الماضي ويتوقع من القيادة القائمة أن تحل للمجتمع ولكل فئة مشاكلها.

وضغوط المستثمرين ورجال الأعمال الخائفين على أموالهم ويريدون إنقاذها من أسوأ الاحتمالات،

وضغوط النخب المهيمنة على منابر التعبير التي شغلت بتصفية حساباتها الفكرية والسياسية، خصوصا بعدما كشفت نتائج الاستفتاء الأخير على تعديل الدستور عن عزلتها وفشلها في تعبئة الرأي العام،

وضغوط القوى الخارجية التي فاجأتها المتغيرات الحاصلة في مصر وسارعت إلى تأمين مصالحها خشية أن تتأثر بمؤشرات صعود الوطنية المصرية والتحلل من إرث الارتباط أو الانقياد للخارج.

من ناحية أخرى فإن عزوف النظام الجديد عن محاسبة مسؤولي النظام السابق أمام محاكم استثنائية خاصة، دفع قيادته إلى تسليم الملف للنيابة العامة والقضاء العادي، الأمر الذي اقتضى اتباع الإجراءات العادية التي تؤدي إلى إطالة التحقيقات وتجميع الأدلة والشهود، ذلك أن أي خطأ أو ثغرة في الإجراءات من شأنه أن يفتح باب الطعن في الأحكام، وربما إفلات المتهمين من العقاب.

الخلاصة أننا تسرعنا في التشكيك والاتهام، جراء عدم وضعنا في صورة ما يجري وراء الكواليس، خصوصا في الجانب المتعلق بأركان النظام السابق، الذي أثار شكوك البعض،


وقد نمى إلى علمي مؤخرا أنهم لم يكونوا مطلقي السراح كما ظن البعض، وأنهم جميعا كانوا تحت مراقبة دقيقة،


وقال لي من أثق في معلوماته إن الرئيس السابق ذاته كان خاضعا لتلك المراقبة في حركته واتصالاته، وأن الأجهزة المعنية لم تستبعد محاولة تهريبه إلى الخارج من شرم الشيخ، حتى إن تعليمات صدرت إلى كل أصحاب اليخوت واللنشات بتعطيل ماكيناتها في حال عدم استعمالها، حتى لا يستخدمها أي أحد في الفرار عبر البحر.

لقد عبرنا عن الشكر والامتنان لقادة القوات المسلحة حين انحازوا إلى الثورة، وتعين علينا أن نقدم إليها اعتذارا عما بدر من بعضنا من إساءة للظن بهم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق