السبت، 2 أبريل 2011

عملاء لا متعاونين

أفهم أن يطلق جهاز أمن الدولة على رجاله وأذرعه في الجهات المختلفة وصف «المتعاونين» من باب التمويه والتدليس وإعطاء الانطباع بأنهم يقومون بعمل شريف،

لكنني لا أفهم أن نوافقهم على ذلك فنُنسي الناس أن هؤلاء لم يكونوا سوى عملاء يؤدون دورا لا علاقة له بالنزاهة أو الشرف.

ولذلك فإنني أدعو إلى أن نستخدم الوصف الحقيقي على كل من تجسس على زملائه أو رؤسائه في أي موقع، وتطوع بكتابة تقارير عن أنشطتهم واتصالاتهم لقاء حظوة ينالها أو أجر معلوم في جهاز أمن الدولة.
كنت قد عبرت عن الفكرة ذاتها قبل عدة سنوات، حين عادت السلطة الفلسطينية إلى الضفة وغزة، وأدركت أن ثمة عددا كبيرا من الجواسيس زرعتهم إسرائيل في أوساط الفلسطينيين في سعيها لتتبع عناصر المقاومة وإجهاض عملياتهم، وأطلقت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على هؤلاء العملاء وصف المتعاونين. وحاولت أن توفر الحماية لهم داخل الأراضي الفلسطينية، ولكن ذلك كان مستحيلا، فجمعتهم في إحدى القرى،

وحين ظلت وسائل الإعلام تشير إليهم باعتبارهم متعاونين، رفعت صوتي بالاعتراض وطالبت بإسقاط ذلك القناع من على وجوههم، وإطلاق الاسم الحقيقي عليهم، ومن ثم اعتبارهم جواسيس لصالح العدو، ثم تجنيدهم ضد أهلهم ووطنهم وقضيتهم.
لست في وارد المساواة بين الإسرائيليين وجهاز أمن الدولة، ولا أريد أن أخوض في التدليل على الفرق بينهما، ولكنني أناقش قضية المصطلح، محذرا من استخدامه في التمويه وطمس معالم الجريمة التي ترتكب بحق المجتمع، حين تجند الأجهزة الأمنية المواطنين للتجسس على زملائهم وقيادات مؤسساتهم ولاختراق كل مجالات التأثير على الرأي العام. وهو ما حدث في الحالة المصرية تحديدا، حيث لم يكتف فيها جهاز أمن الدولة بذلك الجيش الجرار من المخبرين الذي بثته في أرجاء مصر، وإنما جندت في كل موقع من يتصنت ويسجل ما يجري فيه.
قبل عدة سنوات حدثني صديق كان مديرا لمستشفى قصر العيني أنه حين بلغ سن التقاعد وكان عليه أن يترك مكتبه، فإن سكرتيره دخل عليه في آخر يوم واعترف له بأنه كان مطالبا بالتنصت على مكالماته الهاتفية وإبلاغ ضابط أمن الدولة أولا بأول بما يدور في تلك الاتصالات، وبجميع تحركاته ومكاتباته، وكان يتقاضى راتبا شهريا قدره 60 جنيها.

لم يكن لصديقي الطبيب أي نشاط عام من أي نوع، باستثناء أنه كان يبعث إلى بريد الأهرام بتعليقات وملاحظات حول بعض القضايا المثارة.

القصة ذاتها سمعتها من مسؤول بدار الكتب، حيث لم يكتف الجهاز بتعيين أحد ضباط أمن الدولة لمراقبة ما يجري في الدار، وإنما أوكل لأحد الموظفين الصغار مهمة مراقبة المدير ورصد تحركاته.
ما حدث في جميع مؤسسات الدولة وأنشطة المجتمع كان له حضوره الأكبر في وسائل الإعلام والأحزاب السياسية والجامعات، وكان معروفا أن أحد مساعدي الوزير كان مسؤولا عن الإعلام.

أما أذرع جهاز أمن الدولة في الصحف القومية والخاصة وفي المكاتب التي تمثل الصحف العربية في مصر، وفي دوائر البث التلفزيوني والإذاعي، فقد كانت بلا حصر، ولعلي لا أبالغ إذا قلت إنه ما من مؤسسة إعلامية في مصر إلا وتم اختراقها سواء على مستوى رؤساء التحرير أو المحررين. ذلك أن الجهاز اعتبر أن وسائل الإعلام هي «أسلحة الدمار الشامل» التي يستخدمها لتصفية حساباته ضد المعارضين السياسيين والإخوان المسلمين على رأسهم.

وربما يذكر كثيرون أن جهاز أمن الدولة استخدم إحدى الصحف الخاصة لنشر صورة كبيرة مرتين على يومين متتاليين ــ بالمخالفة لتقاليد المهنة ــ لما سمي آنذاك بميليشيا الإخوان في جامعة الأزهر، وكان ذلك تمهيدا لأكبر عملية انقضاض وقمع لعناصر الجماعة.

وكنت أحد الذين تحدثوا كثيرا عن ممارسات الإعلام الأمني، وكيف كانت بعض التقارير الأمنية الموزعة تنشر كما هي، بأسلوبها الركيك وأخطائها اللغوية، بأسماء زملاء احتلوا مواقع مهمة في الصحف.

ما حدث في الإعلام تكرر مع الأحزاب التي كان بعض قادتها يأخذون توجيهاتهم من ضباط أمن الدولة. كما أن أولئك الضباط كانوا يوجهون الأغلبية الساحقة من عمداء الكليات الجامعية ووكلائها، فضلا عن بعض الأساتذة «المتعاونين».
في حدود علمي فإن قوائم عملاء أمن الدولة في المجالات المختلفة تسربت بعد اقتحام مقار الجهاز، وقد تلقيت صورة مستنسخة لقائمة ضمت 38 اسما لبعض أولئك العملاء الذين كانوا يتجسسون على الجماعات السياسية، بينهم 20 شخصا جندوا في داخل حركة الإخوان وحدها.

أليس من حق الرأي العام أن يتعرف على قوائم أولئك الجواسيس، على الأقل من كان منهم يسهم في تضليل الناس في وسائل الإعلام أو يعوق الحياة السياسية من خلال اختراق الأحزاب وتخريبها من الداخل، وهي التي أريد لها أن تظل عاجزة ومشوهة، إننا لا ندعو إلى محاسبتهم، ولكن فقط أن نعرفهم، ليس فقط لكشف أدوارهم، وإنما أيضا لردع غيرهم من الذين يتورطون في مثل تلك المهام القذرة


محمد مدحت عمار
مدير مدونة جيل الصر

هناك تعليق واحد: