الثلاثاء، 19 أبريل 2011

الاوضاع الاداريه والماليه فى عهد عمرو بن العاص رضي الله عنه


منقول من موقع قصه الاسلام للدكتور راغب السرجانى

http://www.islamstory.com/

الأوضاع الإدارية

1- لم يغير المسلمون النظام الإداري المعمول به في مصر قبل الفتح، سواءٌ على المستوى المركزي لإدارة الولاية أم على المستوى المحلي لإدارة الإقليم، اللهم إلا في حدود ضيقة استدعتها الضرورة والظروف. ولم تكن تلك السياسة نابعة من جهل العرب بالنظم الإدارية، أو رغبة في استمرار تدفق الضرائب إلى خزانة الخلافة كهدف يمكن الفتح من ورائه، وإنما كان إبقاؤهم على النظام الإداري، نتيجة عدم معرفتهم باللغتين اليونانية والقبطية المستعملين في دواوين مصر، ثم احترام نصوص عهود الصلح التي تم التعهد فيها بالحفاظ على الحريات، وصون الممتلكات والأموال، وعدم التدخل في شئون الأقباط.

فقد كان العرب على معرفة بالنواحي الإدارية، فمعظم جند الفتح من اليمن، وهي بلاد ذات حضارة معروفة، كما أن عمرو بن العاص له سابق خبرة بالنواحي الإدارية في عهد الرسول وأبي بكر، إضافة إلى ما عرفه عن بلاد الشام المفتوحة قبل مصر.

2- كانت مصر مقسمة عند الفتح الإسلامي إلى ثمانين كورة (مركزًا)، ينظمها قسمان رئيسيان: مصر العليا (الصعيد)، ومصر السفلى (الوجه البحري - الريف).

3- كان الوالي (أمير مصر) على قمة الجهاز الإداري، ويعين من قبل الخليفة، وهو مسئول عن الأمن والدفاع عن مصر، ويؤم الناس في الصلاة، ويقيم الحدود، ويتلقى الأوامر من الخليفة، ويقوم بتنفيذها، وقد يجمع إلى جانب ذلك شئون المال (الخراج) فيجمع الضرائب، وينفق على مصالح الولاية، ثم يرسل الباقي إلى الخلافة، كما كان عمرو بن العاص يفعل في ولايته، وقد يعاون الوالي في حكم البلاد شخص آخر كما فعل عمر بن الخطاب في أواخر خلافته، عندما ولى ابن سعد على الصعيد.

4- أحيانًا يفصل بين السلطة التنفيذية والمالية، كما حدث في خلافة عثمان بن عفان ، إذ جعل عَمْرًا على الصلاة والحرب، وابن سعد على الخراج، مما أدى إلى رفض عمرو ذلك، واحتجاجه بأنه لا يقبل أن يكون كماسك البقرة من قرنيها، بينما يحلبها غيره، فعزله عثمان، وجعل ابن سعد على مصر كلها.

5- يقوم الوالي باختيار (صاحب الشرطة) الذي يحافظ على استقرار الأمن في الولاية، وقمع اللصوص والمجرمين، وبالنسبة للقضاء فقد كان الخليفة يقوم بتولية قاضي مصر، ويقوم الوالي بتنفيذ ذلك؛ فقد ولى عمر بن الخطاب قيس بن أبي العاص السهمي على قضاء مصر أول سنة 23هـ حتى وفاته في ربيع الأول من العام نفسه، فلما تُوُفِّي أمر عَمْرًا بتولية كعب بن يسار بن ضنة العبسي، فلم يقبل المنصب تعففًا، فولى مكانه عثمان بن قيس بن أبي العاص الذي توفي بعد قتل عثمان بن عفان سنة 35هـ/ 656م.

وهكذا جمع الوالي في يده كل السلطات، وكان له نواب مساعدون في مختلف أقاليم الولاية، وكان الوالي يُسأَلُ عن كل شيء أمام الخليفة.

6- ويلاحظ أن المسلمين تدخلوا في إدارة الكُوَر ذات الأهمية الحربية كالموانئ والثغور، التي يُخشَى هجومُ الروم عليها، فكان عمرو يأمر بتواجد قائد حربي مسلم مع مسئولي الإدارة القدامى في تلك الكور، فكان وردان مولى عمرو حاكمًا على الإسكندرية، ومعه منياس من أهل البلاد، وتواجد المقداد بن الأسود في دمياط بعد فتحها، وكذلك أقام ابن سعد في الصعيد.

ومن الكور المهمة على ساحل البحر الأبيض: (الفَرَما، وتِنِّيس، ودمياط، والإسكندرية، ورشيد)، وعلى البحر الأحمر: (القُلْزُم، والقُصَير، وعَيْذاب)، وفي الجنوب ثغر أسوان.

7- أما بخصوص النصارى فقد أمنهم عمرو على معتقداتهم، وأعاد البطريرك بنيامين إلى رئاسة القبط، وجعل له الإشراف على الأحوال الشخصية والدينية لأقباط مصر، وجعل إليه الفصل في منازعاتهم، إلا إذا أرادوا هم الاحتكام إلى القضاء الإسلامي، أو كان ثمة نزاع بين مسلم وقبطي، فليجئ إلى القاضي المسلم.

الأوضاع المالية

يقول الدكتور ألفرد. ج. بتلر عن الحكم الروماني في مصر: "إن حكومة مصر الرومية لم يكن لها إلا غرض واحد، وهو أن تبتز الأموال من الرعية لتكون غنيمة للحاكمين، ولم يساورها أن تجعل قصد الحكم توفير الرفاهية للرعية، أو ترقية حال الناس والعلو بهم في الحياة، أو تهذيب نفوسهم، أو إصلاح أمور أرزاقهم، فكان الحكم على ذلك حكم الغرباء لا يعتمد إلا على القوة، ولا يحس بشيء من العطف على الشعب المحكوم".

هذه هي أوضاع مصر المالية في ظل الحكم الروماني، ولكن ماذا عن وضع مصر المالي في عهد عمرو بن العاص ؟

نحب أن نقرر -بادئ الأمر- أن المسلمين لم يأتوا إلى مصر لابتزاز أموال أهلها، ولا لاستنزاف ثرواتهم، وقد اتضح منذ المفاوضات المبكرة مع المقوقس أنهم ليسوا طلاب دنيا، ولا راغبي مال، وإنما هم أهل دعوة ورسالة سامية، وقد كانت هذه المعاني سياسة ثابتة في عهد عمر بن الخطاب الذي كان يميل إلى فتح البلدان صلحًا إذا أمكن تجنب فتحها عنوة، فقد ذكَّر عمرو جنده بما أوصى به عمر من التريث وقبول الصلح، وتقديم ذلك على القتل والفتح العمد، وكذلك بعد أن تسور الزبير حصن بابليون، وفتح بابه بالقوة، قال لعمرو: اقسم مصر، فقد فتحت بغير عهد. فرفض عمرو، فلما ألح الزبير على عمرو أن يقسمها كما قسم الرسول خيبر، سأل عَمْرو عُمَر، فقال: أقرها حتى يغزو منها حبل الحبلة.

بل إنه عَامَلَ الإسكندرية -على الرغم من أنها فتحت عنوة- معاملة ما فتح صلحًا، وقد اتضح من خلال بنود الاتفاقات المعاهدات التي عقدها المسلمون مع أهل البلاد أنهم يَعِدُون بانتهاج سياسة عادلة، ويحفظون ممتلكات الناس، ويرعون حرمتهم، ولذلك فإنه لا غرو أن يسأل عمرو -بناء على طلب عمر- بنيامين النصيحة الخالصة لمعرفة أحسن السبل التي تدار بها شئون مصر الاقتصادية ويحقق الرخاء والاستقرار لأهلها، فقد كتب عمرو متسائلاً: من أين تأتي عمارة مصر وخرابها؟

فقال بنيامين: "تأتي عمارتها وخرابها من وجوه خمسة: أن يستخرج خراجها في إبان واحد عند فراغ أهلها من زروعهم، ويرفع خراجها في إبان واحد عند فراغ أهلها من عصر كرومهم، وتحفر في كل سنة خُلُجها، وتسد ترعها وجسورها، ولا يُقْبَلُ مَحْلُ أهلها (يريد البغي)، فإذا فعل هذا عمرت، وإن عمل فيها بخلافه خربت".

ولعل ما ورد في نص الصلح الرسمي الذي عقد بين المسلمين والمقوقس بعد فتح الحصن، ما يبين لنا بوضوح ملامح السياسة المالية للمسلمين في مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق