الجمعة، 22 أبريل 2011

حكاية ثائر من كوكب التحرير

حكاية ثائر من كوكب التحرير


كتب:

إنها بضعة أيام و ليال قضيتها في ميدان التحرير, رأيت فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر علي قلب بشر. ! حتي غدت تلك الايام أحلي أيام عمري... و تبوئت من قلبى مقاعد للشغف و التأمل و الخيال الواسع ...!
لن يصدقني احد عندما اقول اني تمنيت في نفسي لو ان مبارك لم يرحل لاظل بقية عمري في الميدان .!
واجهت مع أهل بيتى ما واجهت من الصعاب عندما اتخذت القرار بالذهاب للميدان, ولا اخفيكم سرا, لقد كذبت عليهم وأبرمت معهم عهدا اني لن اذهب للميدان و اني ساقصد مكانا اخر. لكن ,هيهات هيهات .....إذ خرجت من بيتي موليا و جهي شطر ميدان التحرير..., و قلبي شغوف بالوصول الي هناك في اقرب وقت ممكن ...
و حين و صلت الميدان فكأنني ضالا و جد ضيعته و كأنني عاشقا و جد محبوبته ..و أي محبوبه ...انها محبوبه ظل حبيبها لسنوات طوال و ايام خوالي و ليال ساهره يشتاق ان تنظر اليه نظرة حب ,ناهيك ان يأخذ من فمها الجميل قبلة او يعانقها عناقا دافئا .......!
إن كل القيم المثاليه و المعاني الساميه و الاخلاقيات الراقيه التي تعلمتها من آى القران المجيد و حديث النبي و كلام المربين و قرأتها في كتب الاولين و الاخرين و جدتها هنالك في الميدان ,يجسدها نفر غير قليل من شعب مصر العظيم من شيوخه و شبابه و فتياته وأطفاله ... بغض النظر عن اعتقادهم الديني او انتمائهم الحزبي السياسي او اختلافهم الفكري, فتلك فوارق ذابت فيهم كما تذوب قطعه الثلج تحت اشعه الشمس ....!
ولاغرو, فكلهم تجرع كأس و احده علي مدار عشرات السنين الآنفه , كأس الظلم و القهر و الطغيان و العبث بكرامه الانسان , و كلهم ذاق مر شوك زرعته أيادي خبيثه حاكمه متحكمه لطالما عبثت بأقدار البلاد و العباد وأهلكت الحرث و النسل حتي ظنت في نفسها انها لا تسأل عما تفعل و نحن مسئولون و انها تقول للشئ كن فيكون...! لكنهم الان و بعد ثوره يناير قالو للشئ كن فلم يكن فما استطاعوا حينها من قيام وما كانو منتصرين...!
لقد خلع هذا الشعب العظيم رداء الجبن و الخوف والذل وطأطأة الرأس و القفا معا للمستبدبن, و تحرر من العبودية للعباد و هب و ثار و انتفض و صاح بأعلي صوته "الشعب يريد اسقاط النظام " و دفع الثمن غاليا من دماء شبابه و فتياته و اطفاله في سبيل ذلك .حتي انه بسقوط اول شهيد في المعركه (معركة الحريه ) اقسم أهل التحرير بالله جهد أيمانهم لن نبرح ميدان التحرير حتي تضع الحرب مع النظام اوزارها ...! وهذا النظام يتمثل في رأسه الرئيس :محمد حسني مبارك .
اسمه محمد و لم يحمده عاقلا من بني و طنه ...
اسمه حسني و لم يعرف من حسن الاداره و التدبير شيئايذكر....
اسمه مبارك و هو ليس بمبارك لا من اهل الارض و لا من اهل السماء....!
بيد أنه جثم علي صدور البلاد و قلوب العباد ثلاثين عاما نحسات ليذيقهم عذاب الجوع و الخوف و الفقر و البطاله و الفساد في دنياهم.....!
كأني بك يا مبارك تقول لشعبك حينها " أتقومون بالثوره قبل أن آذن لكم ؟ ... ان هذا لمكر مكرتموه في مصر لتخرجونني منها ... فلأسلطن عليكم بلطجيتي و خيلي و بغالي و حميري حتي تنتهون ....!
عودة الي الميدان و احداثه .... إن أول ما لفت نظرى هناك ... هوذالكم الشباب الواقف بشكل منظم و منسق علي مداخل و مخارج الميدان ليتعرفوا علي هوياتهم قبل الدخول حيطة و حذرا من دخول الخيل و البغال عليهم مره اخري ...يفتشك الشاب بكل لطافه و اناه, و البسمه تعلو وجهه قائلا "انا اسف اني بفتشك ..معلش ..لازم نعمل كده دا " و بعد التفتيش تجد الشباب قد اعدوا لك استقبالا منظما حيث اصطفوا صفين متقابلين يصفقون و يغنون " مرحب مرحب بالثوار ..مرحب مرحب بالأحرار " و يقولون ايضا "اوعك تزعل من التقتيش ..دا امان ليا و ليك "
و مازلت امشي في الميدان اترقب كل مشهد... فاذا بي امام " الورد اللي فتح في جناين مصر " صور الفتيان و الفتيات من الشهداء و في مقدمتهم صاحبة البسمه الخالده ... "سالي زهران "
ذلكم الشباب الذي واجه رصاص القناصه و عصي الامن المركزي بصدوره العاريه غير مبالين بما يحدث لهم و لم يخشوا في الذود عمن مطلبهم لومة لائم ....!
ثم اجد أما بلغت من العمر أرذله قد جلست تحت احدي صور الشباب – يبدو انه و لدها- وتبكي بكاءا هز اعماق قلبي و سال من اجله دمع عيني, و تقول ( يارب .... انا ماصعبتش عليه يارب "تقصد مبارك " و لا ابني صعب عليه بس اكيد احنا صعبانين عليك يارب ... يارب احرق قلبه زي ما حرق قلبي علي ابني ) فانهمر دمعي و ادركت حينها ان دعوة المظلوم هذه ستصيبه لا محاله ..فما لبثت ان ابتسمت و ضحكت لانني و جدت رجلا قد نصب خيمه لنفسه و كتب عليها (حلاق الثوره و الحلاقه مجانا) ... هكذا ميدان التحرير ...لحظة دمع و لحظه ضحك ........
ثم أوغل اكثر في الميدان و تتعدد المشاهد امامى...فهؤلاء اناس و قفوا ليستمعوا الي الاغاني الوطنيه و الحماسيه و التي تحلق الاعلام حول اصدائها... و اخرون يرسمون الكاريكتير و يخططون و يبدعون.. و اخرون وقفوا ليلقوا الشعر الذي ألفوه علي مسامع الجميع ليشحذوا به هممهم.... و اخرون و قفوا ليصيحوا و يهتفوا هتافات الثوره التي كانت ترددها كل ميادين مصر., و كان اجمل هتاف سمعته من احد الشباب " اضرب خلص بالرصاص ... اتعلمنا ال لأه خلاص " و كانت اجمل اللوحات ( انصاف الثورات ..تصنع اكفان الشعوب ) و ( اسفين يا مصر اتأخرنا عليكي كتير )
إنه لشعب مبدع و انها لطاقات ابداعيه تفجرت من نفوس المصريين حينما بدأت الحريه تؤتي أكلها كل حين باذن ربها و انهم ما حرمهم من اظهار مواهبهم و ابداعاتهم إلا أغلال الاستبداد التي لفت حول اعناقهم....
ان اعجب ما عجبت له ... أن الميدان ملئ بالكثير من الفاتنات الجميلات و رغم ذلك لم يجرؤ شاب علي مضايقة قتاه و لو بمعاكسه لفظيه...! و لقد كان للفتيات دور عظيم ( و يكأنهم يعكسن ما فعلته "نسيبه بنت كعب" عندما ركبت الفرس في غزوه أحد و اخذت تقاتل و تستميت دفاعا عن الحق ) 0 كن يجمعن القمامه من الخيم بايديهن و يمدوننا بالطعام و الشراب و الحلوي من كل نوع ... حتي المناديل الورقيه كن يوزعنها علينا 0
فلما كان يجن علينا الليل ... إذ بي أرى الجموع القليله و الكثيره قد نصبت نفسها لقيام الليل ... فقلت سبحان الله : ملتقي العشاق ... تبدل حتي اصبح محراب العبَاد... و لم تخلو صلاتهم من الدعاء علي فرعون و اعوانه
فكانت اجابه السماء سريعه ... حتي اتي مساء يوم الجمعه ( جمعه التنحي ) ليطل علينا عمر سليمان طله ما رأيناه بعدها قط ليعلم شعب مصر ان الحق قد ارتفع راياته و ان الفجر قد لاحت انواره و ان الحريه قد فتحت للمصريين زراعيها و يعلن سقوط اكبر طاغيه عربي في لحظه سيسجلها التاريخ باحرف من الذهب و الدر المنثور ... ادركت حينها ان كل الانظمه العربيه الطاغيه ستسقط بعده لامحاله و ان الشرق سيعود يرفع راسه من جديد بعدما رفعت مصر رأسها
انا ان قدر الاله مماتي .........لا تري الشرق يرفع الرأس بعدي
ثم هرولت ( و انا في حاله بكاء ماسبقت لي من قبل ) نحو خيمتي التي كان ينام فيها اكثر من ثلاثين نفرا ,فراشهم الرمال و لحافهم الصقيع و البروده التي طالما عانينا منها هناك ,فوجدت اصحاب لي يسجدون لله شكرا ... ثم قعدو ليدعون الله بالنصر و التمكين لدينه في الارض فقعدت اؤمن خلفهم ثم انطلقت للميدان مره ثانيه و انا في حاله من الجنون المفرط ارقص و اغني وسط الشباب قائلا ...
(الشعب خلاص اسقط النظام ) ..(هوا مشي احنا لسه )( يا شهيد نام واتهنا واستنانا على باب الجنه ...) ( يا شهيد نام و ارتاح و احنا نكمل الكفاح .). (افرحي يا ام الشهيد الليلادى ليلة عيد....)
... حقا كانت ليله عيد وليلة شجن والحان .. ...ليلة فارقه بين عهد استبدادى مضى و عهد مشرق مشمس آت لامحاله......... عزمنا حينها ان نضع ايدينا سويا لنبني مصر من جديد ......و كلنا احساس واحد.. كلنا قلب واحد......اسلامين و قوميين و ليبراليين و علمانيين و مسيحيين و علماء ومتعلمين ...شيبة و شبانا
تذكرت يومها اغنية الشيخ امام رحمه الله ( فرحانين ...فرحانين ...فرحانين...كل ثوره و احنا دايمافرحانين ...)
اللهم اتمم علينا فرحتنا بتحرير الأقصى....!
ورب الكعبة إنى اشم ريح التمكين من وراء هذه الثوره....!
لاتعجب.....ولتعلمن نبأه بعد حين ...... !
عزيزي القارئ ...... كل ثوره وانت طيب........!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق