السبت، 2 أبريل 2011

جنود فرعون

حين وجدت أن الصحيفة القومية العريقة نشرت صورة للمظاهرات على صفحة كاملة وفوقها كلمة واحدة هي «انتصرنا»، انقبض قلبي على الفور وقلت: إذن نحن هزمنا وانتكسنا، ونجحت غارة الخيول والجمال والبغال في تحقيق هدفها.

لكنني اكتشفت بعد لحظات أن الكلمة تحدثت عنا وليس عنهم. وأن الذين كتبوها ونشروها انضموا إلينا وتقدموا «الثوار». ليس ذلك فحسب، وإنما اعتلوا المنصات وراحوا يزايدون على الجميع في التنديد بزمن الطغيان وفضح جرائم رموزه.
مساء اليوم ذاته تلقيت اتصالا هاتفيا من معد أحد البرامج التلفزيونية الذي دعاني إلى المشاركة في حلقة نقاشية حول الآمال المعلقة على الثورة.

وكنت أعلم أن أسمى مدرج ضمن قوائم الممنوعين من الظهور على شاشات تلك القناة الخاصة، تماما كما هو حاصل على قنوات التلفزيون الرسمي
(للعلم: أثناء ثورة الغضب دعيت إلى المشاركة في برنامج صباحي تبثه قناة خاصة أخرى، وبعد دقائق من وصولي إلى مقرها قطع التيار الكهربائي فجأة، فألغيت الفقرة التي كنت ضيفا عليها).
قلت لمن اتصل بى إن قناتهم سيئة السمعة، وإنها أسهمت في تضليل المشاهدين وتشويه وجه الثورة وإنها تضامنت مع التليفزيون المصري في الدور القذر الذي لعبه أثناء الأحداث، ولذلك فإنه لا يشرفني أن أظهر على شاشاتهم.

فوجئ محدثي بردى فقال إن الدنيا تغيرت، وإن بوسعي الآن أن أقول ما شئت في البرنامج. وعندئذٍ قلت إن الشجاعة لا تختبر حين تظهر الأضواء خضراء في الأفق، ولكنها تقاس بمقدار تحدى الأضواء الحمراء، خصوصا حين يتعلق الأمر بمصير البلد ومصالحه العليا وبأمانة التعبير عن ضمير الأمة وأشواقها.
لم يكن موقف الصحيفة العريقة والقناة الخاصة استثنائيا، ولكنه جزء من ظاهرة صرنا نعايشها كل صباح.
ذلك أن كل الإعلاميين الذين هللوا للفرعون الأكبر وشاركوا في تأليه الفرعون الأصغر، والذين بطشوا بالناقدين والمعارضين، وضللوا وغرروا بالخلق أجمعين، هؤلاء جميعا انقلبوا على ولي نعمتهم وأصبحوا ثوريين مبشرين بالفجر الجديد.
غسلوا أيديهم وضمائرهم بسرعة فائقة وصاروا حراسا لحلم الشعب بعد أن كانوا خدما في بلاط الفرعون.
لا أتحدث عن كل الإعلاميين بطبيعة الحال، لأن الساحة لم تخل من شرفاء رفضوا الانبطاح، وظلوا قابضين على الجمر، ومستعصين على التطويع والترويض.


لكنني أتحدث عن الأعوان الذين نصبهم الفرعون لكي يديروا المؤسسات الإعلامية لحسابه، وتحولوا بمضي الوقت أبواقا لها وظيفة واحدة هي خداع الرأي العام وتضليله، والتستر على كل صور الفساد الذي استشرى في أوصال النظام.
في سورة القصص بالقرآن آية أدانت فرعون لكنها عممت الإدانة على بطانته أيضا، حين ذكرت
«إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين»،
والأول رمز للسلطة المستبدة والثاني رمز للثروة الفاجرة.

وأظننا نعرف على من ينطبق الوصفان في زماننا، لكن ما يعنيني في السياق الذي نحن بصدده هو «جنود فرعون» الذين ظلوا أعوانا لهما، ومن ثم فرقوا معهما في مستنقع الخطيئة.

ولسنا نبالغ أو ندعى إذا قلنا إن الذين قادوا منابر الإعلام الرسمي طوال الثلاثين سنة الأخيرة لم يكونوا سوى جنود فرعون الذين وصموا بالخطيئة.
وكل ما صدر عن هؤلاء موثق، إما بالصوت والصورة، أو بالكتابات التي نشرت على الملأ، وبالتالي فإن سجل الإدانة بين أيدي الجميع، وبوسع كل أحد أن يطالعه لكي يعرف موقع كل واحد من تلك القيادات بين جنود فرعون.
لقد توقعت، تمنيت إن شئت الدقة، أن يتنحى هؤلاء عن مواقعهم بعدما ذهب فرعون وطويت صفحته.
وتمنيت أن يقول قائلهم إنه لم يعد لهم مكان بعدما خلع سيدهم وأطاحت به انتفاضة الجماهير، وإنهم لا يستطيعون أن يخدموا النظام ونقيضه في الوقت نفسه.
لكنهم يبدو أنهم تطبعوا بطبع سيدهم، الذي رفض التنحي ولم يغادر مكتبه إلا مخلوعا بواسطة الجماهير التي أصرت على رحيله.

لست أدعو إلى تصفية الحسابات أو الانتقام، وأدعو الجميع لئلا يقسوا ولا ينسوا. ذلك التي اعتبر التسامح قيمة ينبغي أن تأخذ مكانها بعد نجاح أي ثورة.
لكنني أزعم أن «خلع» جنود فرعون في المجال الإعلامي بوجه أخص الذي يعد صوت المجتمع ومرآته، من ضرورات «تنظيف» مصر ما بعد 25 يناير، ولتخليص الساحة من المنافقين والانتهازيين ومحترفي التضليل وتشويه الإدراك العام.
محمد مدحت عمار
مدير مدونة جيل النصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق