السبت، 2 أبريل 2011

لم يفهمونا بعد

لم يفهمونا بعد.
إما لأنهم صمُّوا آذانهم لكي لا يسمعوا هدير الجماهير،
وإما لأنهم تسلموا الرسالة ولم يكترثوا بها تحدياً لمرسليها واحتقاراً لشأنهم.

لا أستطيع أن أحدد على وجه الدقة، ولكن ما يمكن القطع به أن ثمة التباساً ما حدث، كان من نتيجته أن ما سمعناه في خطاب منتصف ليلة أمس من الرئيس مبارك لم تكن له علاقة برسالة الغضب التي ظل الغاضبون يرسلونها طوال الأيام السبعة التي خلت، منذ يوم 25 يناير الماضي.
فمئات الألوف الذين خرجوا منذ ذلك اليوم في أرجاء مصر، والحشد المليوني الذي تجمّع في القاهرة أمس الأول «الثلاثاء 1/2»، والـ٣٠٠ مواطن الذين قتلوا برصاص الشرطة منذئذ، والخمسة آلاف مصاب وجريح، بخلاف الـ500 الذين اختفوا ولم يعرف مصيرهم بعد،

ذلك الحدث الفريد في بابه في التاريخ المصري لم يكن الهدف منه إقالة رئيس الحكومة وتعيين نائب للرئيس، وتغيير مادتين في الدستور. فذلك ثمن بخس للغاية إما أنه يعبر عن استخفاف واحتقار للألوف التي خرجت وللتضحيات التي قدمت. أو أنه يفترض فيهم البلاهة والغباء.
وسواء كانت الرسالة لم تستقبل أصلاً، أو أنها استقبلت ولم تفهم أو أنها فهمت وتم تجاهلها عناداً واستكباراً، فيبدو أننا صرنا بحاجة لأن نوضح مضمونها، على الأقل لكي يدرك الجميع عمق الهوة بين المطلوب والمعروض، وبين الأشواق التي تعلق بها الناس، والأصداء التي صدموا بها،

ذلك أن الجماهير التي انفجر غضبها أخيراً. بعد ثلاثين سنة من الصبر والاختزان لم تفعل ما فعلته إلا لأنه فاض بها الكيل ولم تعد تحتمل مزيداً من الإهانة.
فقد عانت داخلياً من احتكار السلطة والخضوع للطوارئ وتقييد الحريات العامة وتزوير إرادتها، بقدر ما عانت من الفساد الذي بدد ثروات البلاد وبطش الشرطة الذي أهدر كرامات الناس واستخفّ بحياتهم، والإفقار الذي أذلهم وقصم ظهورهم.

أما خارجياً فقد أهينت مصر حين تم تقزيمها وإلحاقها بمعكسر التبعية للسياسة الأميركية، الذي دفعها إلى حصار غزة والإسهام في الدفاع عن أمن إسرائيل مع التفريط في أمنها القومي.

وتلك مجرد عناوين تحتمل التفصيل والإضافة. لكن أهم ما فيها أنها كانت ثمرة سياسات اتبعت خلال تلك الفترة وأوصلت البلد إلى ما وصل إليه من صغار ووهن.
حين تكون تلك أسباب انفجار غضب الجماهير، ثم يكون «التجاوب» معها على النحو الذي ذكرناه. فذلك يؤكد أنه لا توجد ثمة علاقة بين الأشواق والأصداء. ذلك أننا إذا دققنا في تلك الأصداء، خصوصاً خطاب الرئيس الأخير، فسنجد ما يلي:
- إن الرئيس لم ير غضب الناس وأسبابه في المشهد، ولم يتحدث إلا عن التخريب والتدمير الذي حدث، ولم يكن المتظاهرون مسؤولين عنه وليس لهم أي علاقة به.

كما أنه غمز ضمناً من الإخوان المسلمين وبعض الجماعات «ذات الأجندات الخاصة» معتبراً أنهم هم الذين استثاروا الجماهير وفجّروا غضبها، وذلك أيضا ليس صحيحا، لأن الجماهير الغاضبة هي التي قادت الجميع، وكان الإخوان وغيرهم ضمن الذين لبوا نداءها وتجاوبوا مع غضبها. بما يعني أنه نظر إلى الصورة من الزاوية الخطأ، وأدرك مكوناتها على نحو مغلوط.
ـ إن الرئيس لجأ إلى إحداث تغيير في الأشخاص والإجراءات ولم يغير شيئاً من السياسات، التي هي موضوع الغضب ومصدره الأساسي. إضافة إلى أنه أراد أن يكسب وقتاً وقدم وعوداً ليس بوسع أحد أن يراهن على تنفيذها في ظل الخبرات التي مررنا بها.

فالمادتان اللتان دعا إلى تغييرهما في الدستور

«الأولى تخص شروط الترشح للرئاسة والثانية تتعلق بمدة بقائه في السلطة» سبق أن قدما لنا في سياق وعده بالإصلاح السياسي،
كما وعدنا لاحقاً بانتخابات تشريعية نزيهة حول التزوير الفج إلى كارثة، وصارت فضيحة غذت الشعور بالمهانة والازدراء بالمجتمع.
ـ إن وعد الرئيس بعدم الترشح لولاية سادسة أمر طيب لا ريب، بقدر ما أنه بدا خطوة تثير القلق وتفتح الباب للهواجس والشكوك.
ذلك أنه لم يشر بكلمة إلى مسألة إلغاء الطوارئ وإطلاق الحريات العامة، وهما العقبتان اللتان لا يطمأن إلى إمكانية إجراء انتخابات في غيابهما.

بكلام آخر فإنه إذا لم يرشح الرئيس نفسه واستمر الوضع كما هو عليه الآن، فإن الحزب الوطني بتواطئه التقليدي مع جهاز الإدارة سيظل قابضاً على السلطة ومحتكراً لها، ولديه مهلة كافية لترتيب ذلك، في حين أن إطلاق الحريات وإلغاء الطوارئ إذا تما الآن، فمن شأنهما توفير مناخ يمكن المجتمع من إفراز البدائل المناسبة التي يمكن أن تنافس مرشح الحزب الوطني وتعطيه حجمه الطبيعي.
ـ إن الرئيس حين وعد بعدم الترشح للرئاسة المقبلة ولم يشر إلى أن ذلك الوعد يشمل أفراد أسرته، فإنه فتح الباب لاحتمال التلاعب بالوعي والذاكرة خلال الأشهر المقبلة، بما يجعل ترشيح ابنه جمال احتمالاً وارداً. وستكون حظوظه كبيرة في هذه الحالة، ووجود والده في السلطة سيضمن له ذلك ــ ولن أشك في أن أبالسة النظام مستعدون للقيام بهذه المهمة.

وفي هذه الحالة فإن أكبر انتفاضة شعبية في تاريخ مصر، ستتحول إلى أكبر مقلب شربه الشعب المصري فى تاريخه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق