الجمعة، 1 أبريل 2011

اختيار بين شرين

يصدمنا ويعذبنا القصف الجوى الذي تتعرض له ليبيا والذي تشنه الطائرات الفرنسية والأمريكية.

ذلك أننا ما تمنينا أن نقف متفرجين على توجيه مثل تلك الغارات ضد أي بلد عربي. ناهيك عن أننا ظننا أن مثل تلك الحملات قد تجاوزها الزمن،
فضلا عن أن الذاكرة العربية تحفل بالشواهد الدالة على أن الدول الغربية على مدار تاريخها معنا لم تضمر لنا خيرا يوما ما.
بكلام آخر فإننا نكره التدخل العسكري الغربي في أي بلد عربي أو غير عربي، ونعتبره جريمة في حق الإنسانية. لكن المشكلة أن العقيد القذافي غير من موقفنا حين أعلنها حرب إبادة ضد الرافضين لنظامه والمطالبين برحيله.

وهو بذلك وضعنا بإزاء جرم أفدح. ذلك أن التدخل العسكري الغربي يمثل عدوانا على السيادة وعلى الحق في الحرية والكرامة، ولكن ممارسات قوات العقيد صارت عدوانا على الحق في الحياة ذاتها.
من ثَمَّ فإننا عند المقارنة نصبح بإزاء شرين، شر أدنى وآخر أكبر وأفدح. وحين كان علينا أن نختار فإننا قبلنا بالشر الأدنى وتجرعنا مرارته، لكي نتجنب كارثة الشر الأكبر.
أدري أن الدول الغربية ما كان لها أن تتدخل عسكريا في ليبيا لولا حرصها على توفير إمدادات النفط وتثبيت أسعاره. ولا تحتاج هذه المقولة إلى دليل.

إذ يكفي أن نقارن بين الحاصل في ليبيا وبين نظيره الذي يجري في اليمن، والخلاف بينهما في الدرجة وليس في النوع.

فالرئيسان مرفوضان شعبيا، لكنهما يصران على التشبث بالبقاء ويرفضان الرحيل، وفي سعيهما لقمع الرافضين لها فإنهما لم يتورعا عن استخدام السلاح ضد المدنيين وقتلهم بالرصاص الحي.

العقيد القذافي استخدم طائراته ودباباته ضد شعبه، والرئيس عبدالله صالح استخدم القناصة والقنابل اليدوية، وقتل أكثر من خمسين شخصا من أبناء شعبه. مع ذلك قامت الدنيا ولم تقعد. فيما يخص ليبيا وتقرر قصف الأهداف العسكرية لإسقاط نظام القذافي والتمكين للثائرين ضده، في حين تم غض الطرف عن ممارسات الرئيس اليمنى، ونصحته وزيرة الخارجية الأمريكية بعدم استخدام العنف ضد المتظاهرين.

والسبب في ذلك واضح للعيان، فليبيا تعني النفط بالنسبة للغرب، في حين أن اليمن لا تعنى الكثير من هذه الناحية.
الطريف في الأمر، المضحك والمبكي في ذات الوقت، أن العقيد القذافي بعد أن احتقر شعبه وقرر استخدام أسلحته وقواته لتحرير ليبيا من الليبيين، أعلن في مواجهة جماهير الداخل أن بلاده تتعرض لعدوان صليبي،

وفي الوقت ذاته فإنه خاطب الغربيين قائلا إنه يخوض معركته ضد تنظيم القاعدة، محاولا الإيحاء لهم بأنه إذا هزم فإن خطر القاعدة سوف يستفحل وأن الغرب سوف يصبح مهددا بشبح الإرهاب جراء ذلك.
لا نشك في أن لفرنسا أغراضها من وراء قيادة الاحتشاد الدولي ضد نظام العقيد القذافي، وهي تتراوح بين سعي الرئيس ساركوزي إلى تقديم نفسه بحسبانه الشخصية الأبرز في الساحة الأوروبية، لتعويض تدهور شعبيته في الداخل، وبين التطلعات الفرنسية إلى استعادة دورها في شمال إفريقيا، ولا تستبعد أن يكون لمصالح الشركات النفطية الفرنسية إسهاما في تبنى ذلك الموقف.

وهو ما لا تستغربه في كل الأحوال، لأننا نعرف جيدا أن قرار القيام بالقصف الجوى لا يتخذ لوجه الله أو دفاعا عن الشعب الليبي. وإنما هو خطوة لها مردودها السياسي والاقتصادي.

ذلك كله نفهمه، وربما مررناه مؤقتا انطلاقا من مبدأ القبول بالضرر الأدنى لتجنب الضرر الأكبر من ناحية، وإعمالا لفكرة احتمال التعامل مع «الشيطان» بصورة استثنائية لتحقيق هدف مرحلي، مع التأكيد على الافتراق عنه فيما خص الهدف النهائي.
إننا نحلم بيوم يستطيع فيه النظام العربي أن يكون قادرا على الدفاع عن الشعب العربي، ولكن ذلك اليوم يظل بعيد المنال، ووجود أمثال العقيد القذافي على رأس بلد عربي يظل أحد أبرز العوائق التي تحول دون ذلك، إذ حين يصبح الرجل أصل المشكلة، فلا ينبغي أن نتوسم فيه أن يصبح جزءا من الحل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق