الجمعة، 22 أبريل 2011

نحن أعلم بشئون ثورتنا

نحن أعلم بشئون ثورتنا



كتب: محمد مدحت عمار
نشرت (الأهرام) في عدد الجمعة 25 مارس أن واشنطن تعرض المساعدة على الأحزاب المصرية، وقالت إن مسئولاً عسكريًّا أمريكيًّا رفيعًا أكد أن الولايات المتحدة ستعرض في هدوء على مصر مساعدتها على التحرك نحو الانتخابات‏,‏ وأشار إلى أن منظمات أمريكية تساعد الأحزاب السياسية الناشئة في مصر على تنظيم نفسها‏.

ثم عادت ونشرت في الإثنين 11 أبريل موضوعًا بعنوان "تحت رعاية الحكومة الألمانية‏:‏ ملتقى شباب الثورة يطوف محافظات مصر".

جاء فيه أن ما يلي "قررت ألمانيا تكوين ملتقى شباب الثورة بمصر في معهد جوتة بالقاهرة، على أن تتحمل الحكومة الألمانية تكاليف تجهيز هذه القاعة التي يمكن لشباب الثوار اللقاء بصورة دورية في محاولةٍ لدعم التحول الديمقراطي في البلاد".

كما صرَّح نائب السفير الألماني أنه "سيكون هناك اتصال دائم وقناة للحوار بين شباب الثورة الذين أسهموا في إحداث تغيير في مستقبل بلادهم والمسئولين الألمان وأساتذة الجامعات والشباب في ألمانيا لتبادل الآراء, وأضاف أن ألمانيا تدرس فتح ملتقى مماثل في المنوفية والصعيد؛ لإعطاء فرصة للشباب في منطقتي الدلتا والصعيد؛ للتعبير عن آرائهم والمشاركة بصورة فعلية في الحياة السياسية في مصر".

*****

كان ما سبق هو مجرد مثلين صغيرين فقط لما يحدث الآن في مصر على قدمٍ وساق.

فمنذ الثورة والخواجات يتوافدون علينا كالذباب من كل صوب وجهة، ويتسابقون على تعليمنا أصول الديمقراطية والليبرالية والانتخابات وتأسيس الأحزاب وكيفية التصويت في الاستفتاء على الدساتير وتعديلاتها.

وكأنه لم يعد لهم شاغل في العالم غيرنا، وكلهم بالطبع يدَّعون البراءة والعمل لوجه الله.

والخطورة أن هناك أعدادًا كبيرةً من الأشخاص والمؤسسات المدنية والسياسية تتعامل معهم، وأن هناك عشرات الشباب الذي يتعامل معهم بحسن نية، وهو ما يتوجب وقفة وطنية حازمة؛ فالأهداف الغربية واضحة ومعلنة سواء منها الأمريكية أو الأوروبية، وكلها تدور حول ضرورة التزام مصر بالسلام مع إسرائيل وبأمنها.

ونتذكر جميعًا أول تصريح لميركل الألمانية يوم 11 فبراير، فور سقوط مبارك حين دعت مصر إلى "عدم المساس باتفاقية السلام مع إسرائيل وحذَّرت من المساس بالسلام الذي تتضمنه هذه المعاهدة مع إسرائيل حتى بعد التحولات الأخيرة على الساحة السياسية المصرية".

كما نتذكر تصريح أوباما في 5 مارس حين قال إن "القوى التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك يجب أن تتعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل"، أو تصريح روبرت جيبس المتحدث باسم البيت الأبيض حين قال: "أيًّا كانت الحكومة المقبلة في مصر، نتوقع أن تلتزم بمعاهدة السلام التي وقَّعتها الحكومة المصرية مع إسرائيل".

*****

هذا عن موقفهم المعلوم عن إسرائيل، ناهيك عن مصالحهم الاقتصادية وتركيزهم المستمر على دعم القطاع الخاص واقتصاد السوق، بالإضافة إلى تحفظهم الشديد على صعود أي تيارات وطنية مستقلة معادية للهيمنة الغربية.

*****

وهي ذات الأجندات التي تأتينا بها مؤسساتهم المختلفة والمتعددة عارضةً الدعم المالي والفني، ومن أبرز أمثلتها:

1) المعهد الجمهوري الأمريكي الذي يُمَوَّل مباشرةً من الإدارة الأمريكية، ويرأس مجلس إدارته جون ماكين، والذي صرَّح رئيسه لورن دبليو كرينر في كلمته في العاصمة الأمريكية أمام لجنة الشئون الخارجية بأنه:

"من المهم عندما يكون لنا علاقات مع حكومات مستبدة أن نخطط لليوم الذي قد يسقطون فيه عن السلطة وأن نرعى ونغذي من يمكن أن يخلعوهم.. وأنه يجب أن يكون لنا وجود في هذه البلدان؛ للمساعدة في بناء مؤسسات ديمقراطية وتوفير بيئة مساعدة للأحزاب السياسية والمجتمع المدني؛ ليتمكنوا من التنظيم والإعداد ليأخذوا دورهم في الانتخابات".

2) ومركز الدراسات الدولية الخاصة التابع للغرفة التجارية في واشنطن الذي قام برعاية مؤتمر في فندق جراند حياة بجاردن سيتي ضد التعديلات الدستورية في الفترة من 5 إلى 7 مارس 2011م.

3) ومؤسسة فريدريش ناومان الألمانية وثيقة الصلة بالحزب الليبرالي الحر في ألمانيا وبالليبرالية الدولية والممولة من الدولة الألمانية وعدد من الكنائس وفقًا للمعلومات المنشورة على موقعها الرسمي.

ومن أنشطة هذه المؤسسة تكوين حلقات دراسية تهتم بمجال التعليم المدني والمؤتمرات والمنشورات التي تهدف إلى تعزيز القيم والمبادئ الليبرالية، وتركز برامجهم على المرشحين للمناصب السياسية والأحزاب السياسية الليبرالية، وغيرها من المنظمات الديمقراطية.

4) ومؤسسة فورد الشهيرة التي لها باع طويل وواسع في تمويل عديد من المؤسسات الأهلية والحكومية في مصر ومن آخر نشاطاتها تأسيس فرع للمركز الدولي للعدالة الانتقالية في مصر، وكان قد سبق لها تأسيس فرع مماثل في العراق بعد احتلاله عام 2003م، كما أنها أسست فرعًا جديدًا لها في تونس بعد الثورة.

5) وكذلك مؤسسة فريدريش ايبيرت عن طريق برامجها المختلفة بدعم المبادئ الديمقراطية والتعددية الحزبية في جميع بلدان الشرق الأوسط، ومن أهدافها المعلنة الإسهام في تحقيق الأمن والاستقرار بين إسرائيل والعالم العربي وإيران وتركيا.



 6) بالإضافة بالطبع إلى الوكالة الدولية للتنمية الدولية USAID التي تمثل المُعلم الكبير لكل هؤلاء، والتي تمثل المايسترو الرئيسي في مصر منذ 36 سنة.

7) ومعهد ألبرت اينشتاين الأمريكي  الذي يدَّعي بعض المراقبين أن له فضلاً كبيرًا في تفجير الثورات السلمية في العالم؛ نظرًا لإصداراته وبرامجه المتعددة في هذا الشأن (وهذا بالطبع لا ينطبق على الثورة المصرية).

8) والمؤسسة الدولية لأنظمة الانتخابات.

9) ومركز فريدم هاوس الذي أثار مشكلةً كبرى داخل بعض الأوساط الشبابية كادت أن تؤدي إلى فتنة وطنية، لولا أن قيادتها قامت بإجلاء الأمر وتوضيحه.

10) وكذلك المركز الدولي لحقوق الإنسان وترقية الديمقراطية بكندا.

11) ومعهد كاتو الأمريكي.

12) ومعهد فريزر الكندي.

13) ومؤسسة أطلس للأبحاث الاقتصادية الداعم الرئيسي لمنبر الحرية

والقائمة تطول.

*****

معظم تلك المنظمات وغيرها تعمل في مصر الآن من أجل أربعة أهداف محددة:

1) تأسيس تيار سياسي قوي يتبنى السلام مع إسرائيل والصداقة مع الولايات المتحدة، ويمثل بديلاً سياسيًّا ومنافسًا قويًّا للتيارات الوطنية التي تهدد المصالح الأمريكية الصهيونية.

2) مع العمل على إضعاف هذه التيارات وحصارها وعزلها.

3) التركيز على الإصلاح السياسي الديمقراطي الداخلي فقط، مع تهميش القضايا الاجتماعية والوطنية والعربية.

4) دعم اقتصاد السوق والقطاع الخاص المصري على حساب الدولة والقطاع العام؛ لتمكينه من السيطرة على النظام الاقتصادي والسياسي بصفته الشريك القوي والمطيع للمصالح الغربية في مصر.

*****

كل ذلك يطرح علينا مهمة ضرورية وعاجلة هي التصدي لهذا التدخل من خلال:

* تنبيه الشباب إلى طبيعة جهات التمويل وأهدافها الحقيقية.

* وشرح أصل حكايتنا مع الاستعمار والأمريكان والصهاينة منذ نابليون حتى أوباما.

* وفي نفس الوقت يتوجب العمل على إشباع احتياجات الشباب المعرفية والحركية من خلال كل أشكال التربية الوطنية والسياسية والتدريب الحركي والتنظيمي.

* مع تطبيق ذات القواعد المنصوص عليها في قانون الأحزاب الجديد، التي تمنع التمويل الأجنبي، على كل المؤسسات المجتمع المدني وأشخاصه.

* مع ابتكار وإبداع أشكال بديلة عن التمويل الوطني الذاتي.

* وإلى حين النجاح في إغلاق هذا الباب تمامًا، يتوجب علينا مطالبة كلِّ الأطراف الأهلية المتلقية للتمويل، بإعلام الرأي العام عن معاملاتها المالية بشفافية كاملة: من حيث الجهة الممولة وطبيعة المشروع وحجم التمويل وبيان المصروفات وحجم الأرباح، فمن حق الشباب أن يعلموا أي جهة تمولهم وتمول الأحزاب أو المؤسسات التي يرغبون في الانضمام إليها أو التعاون معها.

*****

ولقد كنَّا قبل الثورة نمتنع عن الخوض في هذا الموضوع، لأن النظام كله كان تابعًا وقائمًا على الدعم الأجنبي.

ولم يكن من المقبول حينذاك توجيه النقد إلى متلقى التمويل؛ حيث كان الصراع الرئيسي مع النظام وحكوماته.

أما الآن فلم يعد هناك ما يبرر الاستمرار في تلقي التمويل الأجنبي ولا حتى ذريعة الخوف من التيار الإسلامي أو غيره.

فبوسع الجميع الآن أن يتحركوا بحرية ويتواصلوا مع الناس ويجتمعوا بهم وينتظموا معهم في أحزاب ونقابات وجمعيات ولجان شعبية، وفي النهاية ومع طول النفس، لن يصح إلا الصحيح.

أما قبول فلوس الخواجات ودعمهم بحجة صد الخطر الإسلامي أو القومي أو اليساري أو غيره فهو سقطة وطنية غير مقبولة ولا تليق بالثورة ولا بالثوار.

ومَن يُرد أن ينشر الليبرالية أو غيرها في مصر، فمرحبًا به بيننا، ولكن بجهود وتمويل مصري× مصري.

*****

كانت هذه جولة أولى وسريعة في هذا العالم الغريب المريب، عالم يذهلك فيه اتساع شبكة الدول والأجهزة والمؤسسات والمنظمات والأشخاص والمصالح العاملة والمشاركة في هذه الأنشطة.

فتدرك على الفور أنه لا يمكن مواجهتها بجهود فردية أو بكتابات موسمية.

فخطورة الاختراق الجاري وتشعبه يحتاج إلى جهود وطنية شعبية منظمة ومتفرغة ومتخصصة ومستمرة.

فلنضع أيادينا معًا لتطهير ثورتنا ومستقبلنا من فلوس أمريكا وأصحاب أمريكا.

---------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق