الجمعة، 1 أبريل 2011

أطفالنا.. وحب الوطن


أسعدتني مقولة أحد المصريين لي بعد أحداث ثورة مصر الحبيبة، " الآن فقط أشعر بأني في وطني"، ورغم سعادتي بتلك الكلمات؛ إلا أنها أثارت في نفسي الكثير من الأسئلة. لماذا لم يشعر المواطنون من قبل بانتمائهم لبلادهم؟ وهل لأن هناك أنظمة عمدت إلى تهميش ذلك الشعور في نفوس مواطنيها نفقد ذلك الشعور؟ أم أنها مشكلة في تربيتنا لأطفالنا منذ الصغر، وعدم غرس ذلك الشعور أو الإحساس بحب الوطن فيهم؟ وهل يتعارض حب الوطن مع انتمائي للإسلام؟
بداية أحب أن أوضح أن الإسلام قد تعامل مع عاطفة الإنسان نحو وطنه باتزان فلا تفريط ولا إفراط فيها، فقد بين القرآن الكريم في أكثر من موضع بأن ترك الإنسان لوطنه ليس بالشيء الهين ولا السهل على قلبه، قال تعالى( وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ...) الآية: 66– سورة النساء.
فالإنسان يرتبط غريزيًا وعاطفيًا بالمكان الذي ترعرع ونشأ فيه، ويوجد له فيه ذكريات وأشخاص يحب أن يتواجد بينهم، ويؤكد على ذلك الارتباط ويعظمه، حنين الرسول- صلى الله عليه وسلم- لمكة المكرمة عندما خرج منها مكرهًا، فقال بعد أن التفت إليها:( والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت).
وهنا نرى إنه لأتعارض مع الانتماء للإسلام وحب الأوطان، طالما لم يتعارض أو يتعاظم حب الوطن عن حب الله والتضحية من أجل دينه؛ قال تعالى ( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ )آية 24– سورة التوبة، فالحفاظ على الوطن والصون عنه هو قيمة إسلامية؛ حث الإسلام أتباعه على حب أوطانهم والاعتزاز بها والدفاع عنها والوقوف في وجه كل المعتدين، ولذلك كان من يموت دفاعا عن وطنه هو شهيد.
ولكن ما هي ماهية الوطن؟ وماذا يعني الانتماء له؟ هل هو مجرد رقعة جغرافية على خريطة؟ أم هو مجرد علم يرفع في المناسبات وطوابير الصباح؟ أو نشيد تحفظ كلماته بلا وعي أو اهتمام؟
الوطن هو مكان نعيش فيه ويعيش فينا، نعيش فيه على أرضه، ويعيش هو في قلوبنا، فالوطن هو المنزل الذي يمثل موطن الإنسان ومحله، ومكان نشأته وتربيته.
والانتماء لهذا الوطن يعني حبه وتفضيل مصلحته العامة عن المصالح الشخصية للفرد، والدفاع والذود عنه بالغالي والنفيس، ويبدأ الانتماء لدى الفرد منذ الصغر، فيبدأ بالانتماء للأم ملبية الاحتياجات ورمز الحماية، يتبعه الانتماء للوالد، ثم الأسرة، ومنها للمجتمع الأكبر( الوطن )، وأخيرًا الانتماء الأكبر للدين الذي يشمل كل تلك الأنواع ويحض عليها وينميها.
وللأسف تعيش مجتمعاتنا العربية نوع من التغييب المتعمد لمسألة الانتماء هذه، فنجد أناس يبيعون أنفسهم وأوطانهم بأبخس الأثمان، وآخرون يهرولون للخارج هربًا من جحيم الداخل، فما السر في ذلك الضعف والوهن في نفوس أبناء مجتمعاتنا تجاه أوطانهم؟
أشارت دراسة علمية نوقشت مؤخراً في جامعة أسيوط وسط صعيد مصر بأن ضعف الوازع الديني لدى الشباب هو سبب أساسي في ضعف انتمائهم للوطن. فيقول الدكتور "عبد الله النجار " - أستاذ الشريعة الإسلامية ، وعضو مجمع البحوث بالأزهر- :( الإسلام غرس في نفوس المسلمين قيمة الانتماء للوطن والاعتزاز به والدفاع عنه . . ومن هنا كان واجب الدفاع عن الوطن هو أول ضريبة الحب له، إذا استدعى الأمر ذلك على النحو الذي يصبح به فرض عين على كل مسلم، في هذه الحالة تهون كل الحقوق الخاصة مهما بلغت درجة قداستها، بل حتى ولو كانت تمس علاقة الرجل بزوجته).
ويكمل " د/عبد الصبور شاهين" - الداعية الإسلامي المعروف والأستاذ في جامعة القاهرة – حول أسباب ضعف الانتماء لدى أبنائنا فيقول: ( ضعف الانتماء للوطن سببه الرئيسي شيوع الفساد والانحراف، فهذه المظاهر السلبية التي تتكرر في معظم بلادنا العربية والإسلامية هي التي قتلت حب الوطن في نفوس كثير من الشباب. فالشاب العاطل الذي لا يجد فرصة عمل وهو يرى حالة الإسراف والبذخ؛ لن تستطيع إقناعه بحب وطنه والتضحية من أجله. والشاب الذي لا يجد شقة سكنية متواضعة ليتزوج بها ويعف نفسه عن الحرام؛ في الوقت الذي يجد فيه أبناء الطبقات المرفهة يسكنون بيوتاً فخمة ويركبون أحدث وأفخم السيارات وربما الطائرات؛ لن يستمع بإنصات إلى أناشيد ودعوات حب الوطن. والشاب المتعلم الذي أفنى حياته في الدراسة والبحث وتحصيل العلم ووجد في النهاية دخلاً هزيلاً لا يكفي احتياجاته الضرورية؛ لن يحب وطنه ولن يتفانى في خدمته .. )
ولكن ما السبيل نحو إيجاد جيل ينتمي واقعًا لبلاده في وسط ذلك الكم من المشكلوالشهوات والمعوقاتقات :
- بداية لا يمكن لخطبة أو مقالة أو ندوة فقط أن توضح للطفل ماذا يعني الوطن والانتماء له، ولا كيف يحض ديننا على كل تلك المعاني النبيلة. ولكن يجب أن يصل ذلك لأطفالنا من خلالنا نحن المربين، سواء كنا والدين في البيت، أو مدرس في المدرسة، أو مدرب في نادي، فالأمر يحتاج منا إلى تضافر كافة مؤسسات التربية في المجتمع لزرع ذلك المفهوم في نفوس أبنائنا. ولقد ذكرت من قبل أن ضعف الوازع الديني سببًا أساسيًا في ضعف الانتماء، لذا وجب على المربين تنشئة أبنائنا على التمسك بالقيم الإسلامية، وتوعيتهم بقيمة الانتماء للدين والوطن.
- تثبيت مفهوم الانتماء للإسلام كانتماء عام كبير مقدم على كل شيء , ونبذ دعوات القومية والنعرات الطائفية .
- التأكيد على أن أوطاننا التي نعيش فيها هي أوطان الإسلام وأجزاء لا تتجزأ من الوطن الإسلامي الكبير .
- على المربي البدء مبكرًا في تنمية هذا الحس في نفوس أبنائنا، وبث الوعي بتاريخ الأمة ككل وأبطال الوطن، مع تثقيفهم بالأهمية الجغرافية والتاريخية للوطن.
- يمكن للمربي استخدام وسائل عدة في تنمية هذا الحس؛ عن طريق القصص والحكايات حول بطولات أجدادنا لحماية الدين والذود عن تراب الوطن.
- لنحرص على عدم توجيه الكلام المباشر لأطفالنا حول الانتماء للوطن والتفاني في حبه، حتى لا يتحول كلامنا إلى خطب إنشائية مليئة بالشعارات التي لا طائل منها ولا فائدة تذكر، وليكن كلامنا على أرض الواقع، فعلى الوالدين تعويد الطفل منذ الصغر على العمل التطوعي وحب العمل المشترك، من خلال المشاركة في مشاريع خدمة المجتمع أو التطوع لنظافة الحي وخلافه، مما يعزز لدى الطفل حبه لوطنه، وقد أثار انتباهي رؤيتي لأسرة بأكملها في مدينة الإسكندرية بمصر؛ الأم والأب والأطفال كلهم جميعًا منهمكين في تنظيف الحي الذي يسكنون فيه؛ بعدما أصابه من دمار بعد أحداث الثورة، فحتى أصغر طفل فيهم - وعمره قد لا يتعدى الخمس سنوات - ممسك بفرشاة ليلون الدرج بالوني الأصفر والأسمر، في جو يملأه الفرح ، والشعور بالفخر بما يفعلونه لخدمة بلدهم.
- لاشك أن تقديم نماذج سيئة في المجتمع والترويج والتركيز عليها، يؤدي إلي شعور الفرد بنقص الانتماء للمجتمع والوطن الذي يعيش فيه‏.‏
- محاولة إيجاد قدوة وطنية، ينشأ الطفل على حبها وحب أفعالها، فقد أثبتت الدراسات أن أكثر ما يهدد انتماء الطفل المصري هو انتشار القدوة الغربية والترويج لها بين الأطفال والشباب، وإتباع بعض الإعلاميين والممثلين سلوكيات غربية تضر بالمجتمع، وكذلك تفضيل شراء سلع أجنبية، والتفاخر بالهجرة، أو بازدواج الجنسية‏.‏
- كذلك يرتبط الانتماء بشعور الفرد بذاته داخل مجتمعه، فالطفل إذا شعر بأن مجتمعه يمكنه ويحترمه زاد انتماؤه له والعكس صحيح أيضًا.
- وكذلك علينا نشر حب المناسبات الوطنية عن طريق الاحتفاء بها أسريًا والتفاعل معها.
- تعويد الأطفال من صغرهم على احترام القوانين والأنظمة التي تعمل على تنظيم شؤون الوطن، والتعاون مع أجهزة الدولة المختلفة لخدمة هذا المجتمع، وخلق نوع من التعاون بين الأطفال وأجهزة الدولة لتدعيم الشعور بالانتماء، وكمثال على ذلك ما فعلته شرطة دبي مع الأطفال هناك حيث تعقد لهم دورات في احترام قوانين المرور، وجعل الأطفال يشاركون في تنظيم المرور بأنفسهم، وتوزيع كتيبات ونشرات عليهم لتعرفهم بحقوقهم وواجباتهم نحو وطنهم، وغيرها من الأنشطة التي تعمل على تنمية الشعور بالانتماء للوطن وأنه ملك لنا جميعًا.
- علينا غرس حب التاريخ وروايته في نفوس أطفالنا، من خلال القصص الكارتونية والمجلات المصورة، ونشر تلك الوسائل في كل مكان في البيت والمدرسة والحدائق العامة والمكتبات، مع تسليط الضوء على رموز المجتمع الذين نجحوا وأضافوا لمجتمعاتهم الكثير من الانجازات، وإعطاء الوالدين صورة مشرقة حول تلك الرموز.
إن الانتماء مثله مثل باقي المكتسبات المجتمعية، ينتقل إلى الأطفال بالتعلم والنقل عن طريق الوالدين والمحيطين، فإذا كان حال الوالدين بأنهما دائمي النقد والرفض للمجتمع، وأقل تمسكا بالقيم كان انتماء الأبناء أقل ،وكلما زاد شعورنا نحن المربين بالانتماء؛ وترجمنا تلك المشاعر إلى مواقف وأفعال، نقلنا تلك المفاهيم إلى عقول ووجدان أبنائنا بدون أن ننطق بكلمة واحدة

هناك تعليق واحد: