السبت، 2 أبريل 2011

اختيار يحيرنا ويصدمنا

طوال السنوات الماضية حين كان يذكر السيد أحمد أبو الغيط بما لا يحبه ولا يشرفه في أي عاصمة عربية، كنت أقول إنه ليس وزير خارجية مصر، ولكنه وزير خارجية مبارك ونظامه.

ولم أكن وحدي في ذلك، لأنني سمعت من كثيرين من المثقفين المصريين الذين يدعون إلى المنتديات والفعاليات العربية قولهم إنهم أصبحوا يشعرون بالخجل حينما كان يذكر اسم السيد أبو الغيط في أي محفل عربي مقرونا بمواقفه وتصريحاته، خصوصا ما تعلق منها بالفلسطينيين وبالصراع العربي ــ الإسرائيلي أو بالعلاقات مع سوريا والأوضاع في لبنان.

كانوا يذكرون له كراهيته للفلسطينيين وتطاوله واستئساده على العرب الذين يختلفون مع السياسة المصرية، وتصاغره وانكساره أمام الأمريكيين والأوروبيين والإسرائيليين بطبيعة الحال.
أذكر أننا دعينا إلى عشاء في بيت أحد الأصدقاء بالرباط، ولأننا كنا ضيفي الحفل، الدكتور عبد الوهاب المسيري وأنا، فإن صاحب البيت وجه الدعوة إلى السفير المصري آنذاك. وأثناء الحوار الذي دار قبل العشاء تطرق الحديث إلى تصريحات وزير الخارجية المصري ومواقف الرئيس السابق،

فقال أحد المدعوين المغاربة ــ وهو أستاذ مرموق للفلسفة:
إنه مندهش من أن يكون السيد أبو الغيط وزيرا لخارجية مصر، لأن ما يصدر منه يعد عارا على البلد، لا يليق بمكانتها.

لم يكن صاحبنا يعلم أن السفير المصري بين المدعوين، فأخذ راحته في الكلام ووصف الرئيس السابق بأوصاف لاذعة. وحين حاول السفير أن يشرح له أوضاع حرية التعبير في مصر، وكيف أن ثمة اجتهادات متباينة بين المثقفين المصريين. فبعضهم يؤيد كلام أبو الغيط (يقصد الصحف القومية) والبعض الآخر يعارضه، فما كان من صاحبنا إلا أن شدد على ما قاله.

وأضاف إلى انتقاداته اللاذعة والقاسية أوصافا أخرى. ولم تفلح محاولاتنا تهدئته أو تنبيهه إلى الحرج الذي وضع فيه السفير المصري. وإزاء ذلك لم يجد السفير بدا من الانسحاب، فنهض معتذرا بأن لديه ارتباطا آخر، وانصرف. ولم يهدأ للرجل بال إلا حين قلنا له إن السيد أبو الغيط لا يمثل شيئا في مصر، ولكنه يمثل الرئيس (السابق) ونظامه فقط.
لا أعرف وزيرا للخارجية في التاريخ المصري المعاصر حظي بتلك الدرجة من الرفض والمقت التي تلاحق اسم السيد أبو الغيط وسيرته. حتى أن إحدى الصحفيات الفلسطينيات اتصلت بي من الضفة بعد الثورة في مكالمة لا أشك في أنها مسجلة، وقالت إنه بعد رحيل السيد مبارك فإنها لم تعد تتمنى من الله في حياتها إلا أن يختفي اسم وزير خارجيته من الحكومة المصرية، مضيفة أنها أصبحت تشعر بالاكتئاب وضيق التنفس كلما رأت صورته أو سمعت باسمه.
لقد كانت الخارجية المصرية أحد معاقل الوطنية التي جسدت مسؤولية البلد الكبير وكبرياءه، لكنها صغرت حين صغرت مصر، وأصبحت ملفات السياسة الخارجية ملحقة بمكتب رئيس الجمهورية، كما أصبح وزير الخارجية ظلا لرئيس المخابرات العامة، ولم يقصر السيد أبو الغيط في تقديم الصورة المشوهة والبائسة لعصر مبارك.

وحين قامت ثورة 25 يناير ظننا أنه سيبعد عن منصبه في سياق حملة إزالة آثار العدوان على كرامة مصر وشعبها الذي قامت الثورة لصده والخلاص منه. لكننا صدمنا حين وجدنا أن وزير خارجية مصر المنكسرة والمهزومة سياسيا وحضاريا، هو ذاته وزير خارجية مصر التي ثارت لكرامتها واستعادت حلمها المجهض.

تماما كما أننا وجدنا أن المسؤولين عن الأبواق الإعلامية التي هللت لعصر الانكسار هم أنفسهم الذين تقدموا الصفوف ومارسوا التهليل للثوار. وهو ما يثير قدرا لا يستهان به من الحيرة والبلبلة.
سألت عن سبب استبقاء السيد أبو الغيط فقيل لي إنه ربما قصد به طمأنة الأمريكيين والإسرائيليين في الظروف الراهنة التي لم تستقر فيها الأوضاع بعد.

كما قيل لي إن ثمة معونات مالية كبيرة جاهزة للإرسال إلى مصر، وإذا تم تغيير وزير الخارجية في الوقت الحالي فقد يؤدي ذلك إلى تعثر وصول المعونات.

وحين سمعت هذا الكلام قلت إنهم وضعوا في الحسبان الأصداء لدى الأمريكان والأوروبيين والإسرائيليين، لكنهم تجاهلوا صدى هذه الخطوة وصدمتها لدى الوطنيين في مصر أو في أرجاء العالم العربي، الأمر الذي يعني أن ثمة خللا في قواعد المشهد السياسي يحتاج إلى تصويب،
نرجو ألا يطول انتظارنا له.

محمد مدحت عمار
مدير مدونة جيل النصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق