الجمعة، 22 أبريل 2011

المظلومون ... يتساءلــــــــــــون!؟

المظلومون ... يتساءلــــــــــــون!؟


بسم الله الرحمن الرحيم

سر خطير كشفه الإعلامي يسري فودة؛ في حديثه مع رجال المجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ فذكر وعيناه تمتلآن بالدموع؛ أنه ذات يوم أسر إليه الفريق أبو غزالة رحمه الله أنه عندما استفز كرامته العسكرية وأغضبه إنسانياً ذلك السيل اليومي من نعوش المصريين التي كانت تأتي إلى مصر من العراق؛ فذهب إلى الطاغية المخلوع؛ فقال: يا ريس؛ أيرضيك هذا الأمر، نريد أن نفعل شيئاً لحفظ كرامتنا وكرامة بلدنا وأبنائنا؟.

فرد عليه الطاغية بغير اكتراث وبقرف: (وإيه يعني، إيه اللي خلاهم يروحوا هناك؟)!!!؟؟؟.

هكذا دون أي استشعار بالمسؤولية، ودون اعتبار لأدنى مراتب الإنسانية أو الرحمة بمن جعله مسؤولاً عن رعيته!؟.

وقبل ساعات من التحقيق معه وحبسه احتياطياً استمعنا إلى رسالته الأخيرة الإذاعية الغريبة والكئيبة التي بثتها فضائية غير مصرية؛ وأصابتنا بالغثيان والغضب والقرف من كلماته البئيسة؛ والتي كان فحواها أنه يعيش حالة من الإنكار وكأنه مغيب ولا يعيش واقع بلده الآن، ولا يدري بما حدث لنا ولبلدنا وله، ولم يبدي أي أسف على جرائم القتل التي ملأ بها بلده ومواطنيها على أيدي أذنابه طوال أيام الثورة؛ وكانت وكأنها رسالة وعيد سخيفة؛ إنها نفس طبيعة اللامبالاة الفرعونية!؟.

وهي نفس ردة فعله مع كل الأحداث خاصة أحداثنا الجسام؛ مثل تهكمه علي شهداء العبارات وحرقى القطارات وصخور الدويقة، والمبيدات المسرطنة والدماء الفاسدة والأغذية الفاسدة!؟.

وهل ننسى وصوله إلى قمة الغطرسة والزهو والاستكبار في الأرض وهو يزهو بجريمة حواري وريثه؛ أثناء تدشينه لقمة فجورهم بتزوير انتخابات مجلس الشعب؛ والتي كانت بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر بعير نظامه الفاسد؛ فقال معلقاً على موقف معارضيه بمختلف التيارات: (خليهم يتسلوا)!!؟.

الظالم ... لا يرى غير ذاته!:

وهنا نضع أيدينا على مفتاح غريب من مفاتيح شخصية الطاغية وسمة من سمات أي ديكتاتور؛ وهي عدم المبالاة برعيته، وعدم استشعار خطورة التفريط في الأمانة!؟.

لأنه بلغ مرحلة لا نستطيع أن نذكره فيها بها بمسؤوليته: "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ وَالْأَمِيرُ رَاعٍ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". [2] [2] [رواه البخاري ـ كتاب النكاح 4801]

ولا نذكره بضمير الفاروق عمر رضي الله عنه: "لو أن دابة عثرت في العراق لخفت أن يسألني الله عنها لِمَ لم أمهد لها الطريق".

وذلك لأنه وصل إلى مرحلة عدم سماع الآخر خاصة من ينصحه؛ وكأنه يضع في أذنيه ما يسدها أو كأنه يغطي نفسه بثيابه حتى لا يرى هذا الآخر؛ كما قال نوح عليه السلام: "وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً". [نوح7]

بل يدفعه الاستكبار على الخلق؛ أن تتعاظم عنده ذاته، "واسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ". [القصص39]

تجربة مريرة ... وآثارها النفسية:

إن تجربتنا مع الظلم والظالمين وأعوانهم عقوداً طويلة، ثم تغولهم مالياً وسياسياً واجتماعياً في أحشاء مصر؛ خاصة في السنوات الأخيرة؛ زرعت داخلنا حالة من الحيرة المكبوتة؛ وتمخض عنها أسئلة قاسية لم يجد بعضنا إجابات شافية لها.

ثم تعرضنا في السنوات الأخيرة لضغوط أكثر مرارة وخطراً؛ والتي كان أبرزها هو توحش نظام طاغيتنا أمنياً؛ ليس في أحشاء مصر فقط بل في داخلنا؛ حتى دخلوا علينا بيوتنا، فانكمشنا على ذاتنا، وكرهنا هواتفنا، وهربنا من بلادنا، واستقلنا من أعمالنا، وخفنا على مستقبل أمتنا، وعلى حياة أبنائنا؛ حتى حبسونا داخل جلودنا، وحاصروننا في كل همسة ولمسة.

كل ذلك القهر أثار الآلام داخلنا، وعمق حيرتنا المكبوتة، واستشعرنا معها الكثير من الهوان؛ الذي سبب الإحباط للبعض واليأس للبعض الآخر منا.

ثم جاءت أحداث الثورة، وتعامل المؤسسة الأمنية الشائن والمخزي معها؛ لتتضخم هذه المشاعر.

ثم كانت نذر انفجارنا الداخلي، مع تعاظم حيرتنا المكبوتة؛ خاصة بعد خطب الطاغية العاطفية والصادمة؛ فتترجمت حيرتنا إلى مجموعة من الأسئلة المحيرة؛ والتي تراكمت داخلنا منذ عقود مع تضخم حيرتنا، ثم زادت أكثر أيام عناد الطاغية أيام الثورة والتي بلغت ذروتها يوم جمعة خلع الطاغية.

وهذه الأسئلة لم تكن مقصورة علينا أو خاصة بأبناء مصر؛ بل هي أسئلة عامة لكل المظلومين، وكل من يتعرض إلى حقب من الظلم أو القهر؛ مثلنا؛ في كل زمان ومكان، ومن هذه الأسئلة:

(1)إذا كان هذا الطاغية الظالم يفعل بالعباد ما لا يرضي رب العباد، وإذا كان من سياساته نشر الفساد في البلاد؛ فلِمَ لا يهلكه رب العباد ليخلص منه العباد والبلاد؟!.

(2)هذا التعذيب غير الإنساني الذي مارسه النظام وأذنابه؛ وهذه الدعوات المخلصة النازفة التي انطلقت منذ عقود من داخل ومن خارج السجون ألم تجد لها استجابة من رب العالمين رحمة بالعالمين؟.

(3)ما هي الحكمة وراء هذه الزهور الشابة التي استشهدت ودماءهم التي سالت من أجل أهداف وغايات سامية؛ مثل الحرية والعدالة والكرامة؟.

(4)إذا كنا على الحق؛ فحتى متى سيستمر هذا الظلم والقهر والتضييق؟.

(5)متى سيظهر فجر حريتنا؟.

(6)هؤلاء الذين ظلمونا وتجسسوا علينا وضيقوا علينا ونهبونا وأفزعونا؛ هل سيهربون بمظالمهم؟.

وهل سيفرون بجرائمهم؟. وحتى متى سيتمتعون بأموالنا المنهوبة؟.

قواعد الصراع ... التي ننساها:

ولكننا كبشر دوماً نحتاج إلى تذكرة وإلى طمأنه؛ والتي لا تاتي إلا من خلال قراءة لقواعد الصراع التي تحكم وتنظم سيرة المظلومين وصراعهم مع ظالميهم.

ومن هذه القواعد أو أبرزها؛ والتي تحكمها سنن الله سبحانه الإلهية:

1-لاتنس قيمتك عند ربك:

فقيمة المؤمن عند ربك سبحانه غالية؛ ولن يترك دمك ومعاناتك لن تذهب هدراً: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ ـ قَتْلُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ـ لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ". [أخرجه الترمذي]

2-لا تستعجل ... فكل شيء بوقته:

فأقدار الله سبحانه لها طريقتها الخاصة؛ وهذه الطريقة لا تتأثر باستعجال المظلوم من طول الصراع، ولا بظلم الظالم؛ خاصة إذا استهزأ بوعيده سبحانه وسخر من دعوات المظلومين.

لهذا قال سبحانه: "أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ". [النحل1] و"إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ". [القمر49]

3-توقع الخير ... وتفائل بالنتيجة:

لأن أقداره سبحانه إلى خير دوماً؛ فمهما يعاني المظلوم من ظالميه فهو الخير له؛ حتى وإن جهل: "عجباً لأمر المؤمن. إن أمره كله خير. وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر. فكان خيراً له. وإن أصابته ضراء صبر. فكان خيراً له". [صحيح مسلم]

4-النتيجة على قدر جهدك:

فنتيجة الصراع تحكمها سنة إلهية اجتماعية، وقاعدة قرآنية وقانون رباني عام ينطبق في كل زمان ومكان؛ وهو سنة الجهد البشري؛ أي أن حياتك ومستقبلك من صنع يديك؛ فإذا أردت تحقيق هدفاً أو بلوغ غاية؛ فإن عليك أن تبذل قصارى جهدك؛ فتأخذ بكل الأسباب الأرضية المشروعة، ثم تدعو ربك ليكلل جهدك بتوفيقه وعونه وتسديده؛ تماماً كما صنع الحبيب صلى الله عليه وسلم في هجرته وفي غزواته خاصة بدر؛ وهو ما يحقق القاعدة القرآنية: "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ". [الفاتحة5]

5- لست وحدك:

فالحياة رحلة ابتلائية؛ فالكل يعاني، ولا يسلم من هذه المعاناة الحياتية مظلوم أو ظالم.

لذا كانت هذه الرسالة التي تأتي كعزاء للمؤمنين والصالحين والمظلومين؛ فتدعوهم ألا يضعفوا في صراعهم مع أعدائهم، ولا يتوانوا في مواجهة وقتال الكافرين والظالمين لأنهم يعانون ويتألمون من مواجهتكم كما تتألمون ولكن الفارق بعيد بين ما ينتظر كل فريق: "وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً". [النساء104]

6- الأيام دول:

فالشيء الوحيد الثابت في هذا الوجود هو التغيير؛ أي مداولة الأيام بين الناس؛ فتكون لهؤلاء يوماً ولأولئك يوماً.

وذلك حسب قاعدة التغيير الحتمي للأشخاص والأحداث والأشياء؛ أو هي قاعدة التداول أو سنة المداولة الإلهية: "وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ". [آل عمران140]

وهؤلاء القوم الذين يصرون على ظلم العباد، نشر الفساد في البلاد؛ إنما يصادمون قاعدة ربانية، وسنة إلهية اجتماعية. ومن يقف في سبيلها فسيدمر نفسه ومن حوله ومن يتبعه ومن يطيعه، ومن ينافقه.

7- يد الله ... توظفك لإيجاد الأصلح:

فمن حكمته سبحانه أن يكون الصراع والتنافس والتدافع، سواء فردياً أو جماعياً، بين المظلومين وظالميهم، وبين الحق والباطل بين الخير والشر بين الإيمان وأهله والكفر وأهله، حتى لا تفسد الأرض بغلبة الباطل، ولهذا كان من فضله سبحان أن تستمر تلك السنة الإلهية، ما دامت السماوات والأرض.

وهو قاعدة صراع الخلائق وتدافعهم من أجل إفراز الأصلح؛ أو قانون التدافع الحضاري أو سنة المدافعة الإلهية؛ وهو قانون قرآني رباني عام، أشبه بالمعادلة الرياضية، التي لا تحابي ولا تتبدل: "وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ". [البقرة251]

8- لو علمت عاقبته ... لأشفقت عليه:

إن الظالمين يسيرون بفسادهم في الأرض ويعيشون بظلمهم للعباد؛ حسب سنة الاستدراج الإلهية؛ والتي تقودهم لحتفهم!.

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ تَعَالى يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا مَا يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُ اسْتِدْرَاجٌ"، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ" [الأنعام44]". أخرجه أحمد وصححه الألباني]

فما أظلم من قرأ هذا ولم تدمع عيناه وما أقسى قلبه.

("وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ". [هود 102]

إنَّ منْ تعِاسةِ العبدِ، وعثْرةِ قدمِهِ وسقوطِ مكانتِهِ: ظُلمُهُ لعبادِ اللهِ، وهضْمُهُ حقوقهم، وسحْقُه ضعيفهم، حتى قال أحدُ الحكماءِ: خفْ ممَّن لم يجدْ له عليك ناصراً إلا الله.

9- إذا ضعفت ... فسبحانه سيحسمه:

فعندما تسقط الأسباب الأرضية؛ ويقف المظلوم حائراً تائهاً يائساً؛ فإن القدرة الإلهية لن تترك لظنونك!.

وتدبر إرادته سبحانه وهو يغار على عباده المظلومين فيضع سبحانه حداً لظلم الظالم؛ ويعدل بيده سبحانه هذا الميزان المختل، ويحسم الصراع؛ كما جاء في هذه الحالة: "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ". [القصص5و6]

(والبغي حين يتمرد لا يحتاج إلى من يدفعه من البشر; بل تتدخل يد القدرة وتأخذ بيد المستضعفين المعتدى عليهم, فتنقذهم وتستنقذ عناصر الخير فيهم, وتربيهم, وتجعلهم أئمة, وتجعلهم الوارثين). [في ظلال القرآن: سيد قطب]

10- إنه يبني مصيره بيده:

فهناك قاعدة كما تدين تدان؛ أو الجزاء من جنس العمل!.

وكما تدين تدان؛ لأن "كل نفسٍ بما كسبت رهينة". [المدثر38]

فكما استهزأ الطاغية المخلوع بالمظلومين وتجاهلهم؛ فهو الآن في محبسه هو وأبنائه وأذنابه وقد تجاهلهم المظلومون ولم يعبأوا بوضعهم؛ (وخليهم يتسلوا)!؟.

هناك تعليق واحد: