السبت، 2 أبريل 2011

أوقفوا استغباءنا رجاء

لا يقنعنا كلام أي مسؤول طال بقاؤه في منصبه حين يقول إنه نبَّه إلى الفساد في مصر في حينه، لكن أحدا لم ينصت له.


ذلك أنه ليس لدينا ما يدل على أنه نبه فعلا ــ ولكن الثابت أنه ظل جزءا من «العصابة» الحاكمة.


واستمراره في منصبه لعدد من السنوات رغم علمه بالفساد قرينة على أحد أمرين،

إما أنه كان راضيا به وسكت عليه استجلابا لرضا السلطان، وهو ما لا يشرفه بأي حال،

أو أنه كان شريكا فيه ومستفيدا منه، وهو ما يثبت بحقه الإدانة.

أفهم أن يقول المسؤول إنه لم يكن يعلم أو إنه شم رائحة الفساد لكنه ظل بعيدا عن دائرته، الأمر الذي يخرجه من دائرة الاتهام.

أما تلك الادعاءات التي نسمعها هذه الأيام فلا يمكن أن تفسر إلا بحسبانها استعباطا واستهبالا واستغباء لنا.

الحوار الذي أجرته صحيفة «المصري اليوم» مع الدكتور فتحي سرور في الأسبوع الماضي ليس النموذج الوحيد لهذه الحالة، ذلك أنني أزعم أن حالة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار جودت الملط أفدح وأسوأ.


ذلك أن الجهاز الذي يديره له وظيفة أساسية هي أن يظل مفتوح الأعين على كل صور الفساد الموجودة في البلد. وحين نرى الفساد بالحجم المهول الذي تكشف هذه الأيام، فإن المرء لا يستطيع أن يتصور أنه كان في مصر طوال هذه المدة جهاز يحاسب أو يراقب.

ما دفعني إلى هذا الكلام وفتح ملف الجهاز أنني قرأت في الأسابيع الماضية تصريحات للمستشار الملط تحدث فيها عن أنه كان يبعث بتقارير وملاحظات الجهاز إلى الجهات المسؤولة، لكن أحدا لم يأخذ بها.


وأمس قرأت على الصفحة الأولى من صحيفة «الدستور» أن الجهاز حذر قبل 12 عاما من فساد عقد بيع مائة ألف فدان في توشكى لشركة «المملكة» التي يمثلها الأمير الوليد بن طلال، وأرسل بيانات بمخالفات العقد وتجاوزاته إلى رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ولكن أحدا لم يحقق في الأمر.

في الوقت ذاته، ثمة مذكرة قدمها ممثلون عن العاملين بالجهاز إلى رئاسة المجلس العسكري تحدثت عن تعليمات أصدرها المستشار الملط بمنع فحص عقود تصرف هيئة المجتمعات العمرانية في الأراضي الجديدة، التي وزعت ملايين الأمتار المربعة منها على أكابر النظام السابق.

وكذلك عدم فحص حسابات الصناديق الخاصة لبعض الوزارات وعلى رأسها وزارة الداخلية التي كانت تحصل على نحو ملياري جنيه سنويا.

كما شملت التعليمات عدم تناول مخالفات كبار الشخصيات أو حسابات بعض الجهات التي توصف بأنها «سيادية».

في المذكرة وقائع مثيرة أخرى تحتاج إلى تحقيق، بعضها يتعلق بتقاضي بعض الوزراء أموالا بغير وجه حق والبعض الآخر يتعلق بوقائع احتكار أحمد عز للحديد أو يتعلق بإجراءات الخصخصة التي ضيعت على الدولة مليارات الجنيهات.

معلوماتي أن التقارير التي كان يرسلها الجهاز إلى الجهات المعنية كانت «تصفى» حتى لا تتجاوز الخطوط الحمراء، أو تمس الأكابر.


ومنها ما كان يحجب (كما كان يفعل الدكتور سرور في استجوابات مجلس الشعب)

ــ وبسبب المجاملات التي روعي فيها خاطر أركان النظام السابق ورئاسته، تم نقل تبعية الجهاز من مجلس الشعب إلى رئاسة الجمهورية.


ولهذا السبب ذاته كوفئ المستشار الملط بالتمديد له نحو 12 سنة. من ثَمَّ فلم يكن غريبا أن يقول صاحبنا في التقرير الذي قدمه إلى مجلس الشعب عن السنة المالية 2008 ما نصه:


إن السيد رئيس الجمهورية يتابع مع الوزراء والمحافظين وجميع المسؤولين بالدولة ما يتعلق بحياة الناس وتوفير الحياة الكريمة لأبناء مصر، والتركيز على مشكلات المواطنين. فالشغل الشاغل للرئيس هو حياة المواطن البسيط، والرئيس يصرح ويوجه ويتابع مع المسؤولين بالدولة كل ما يتعلق بحياة البسطاء والفقراء ومحدودي الدخل وما يستحقونه من حياة كريمة... إلخ.

كان يمكن السكوت على ذلك الكلام لو أن الرجل التزم الصمت ولم يقل إنه قام بما عليه في مواجهة فساد النظام السابق، لكن أما وقد تكلم فربما كان مناسبا أن نذكره بما تناساه أو نسيه.

إن من حقنا أن نسأله هو وأمثاله:

إذا كنتم قد نبهتم حقا إلى الفساد وقوبلت رسائلكم بالتجاهل، فلماذا لم يغضب أحد منكم مرة لكرامته أو كرامة البلد الذي كان ينهب تحت أعينكم؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق