الاثنين، 11 أبريل 2011

الفساد قرين الاستبداد

صحف هذه الأيام تحفل بأخبار شبه يومية تتعلق بمظاهر الفساد في أسرة الرئيس زين العابدين بن على هو وزوجته وأفراد عائلتها.

ومثل تسريبات «ويكيليكس» فإنها ما برحت تصدمنا كل حين بما لم يخطر لنا على بال.

فقد قرأنا أن الرئيس التونسي السابق له أرصدة في البنوك الخارجية تقدر بخمسة مليارات دولار، وأنه يملك عقارات وفنادق في العواصم الأوروبية، علاوة على بعض شركات الطيران الخاصة.

كما قرأنا أن زوجته هربت ومعها طن ونصف الطن من الذهب، حصلت عليها من البنك المركزي.
وهي ذاتها التي وزعت أقاربها على مختلف المواقع والمناصب التي تمكنهم من نهب أموال الدولة، حتى تصرفوا في تونس باعتبارها إقطاعية أو عزبة أهديت إليهم.

إلى غير ذلك من المعلومات التي لا نعرف مدى دقتها، لكنها سوغت إطلاق وصف «المافيا» على المجموعة التي حكمت البلاد طيلة العقدين الماضين.
لا تزال التسريبات مستمرة، كاشفة عن وجه شديد القبح لممارسات الرئيس وأسرته وأصهاره، أدركنا معه أنه لم يقم نظاما مستبدا فحسب ولكنه أيضا نظام فاسد لم يتورع عن سرقة أموال البلد ونهب ثرواته، أهم ما في هذه الصورة أنها تنبهنا إلى ذلك التلازم الضروري بين الاستبداد والفساد.

ذلك أن تكميم الأفواه وحرمان المجتمع من المشاركة في القرار السياسي ومحاسبة المسؤولين على تصرفاتهم في أموال دافعي الضرائب وبقية موارد الدولة، فإنه تلقائيا يطلق يد أهل الحكم ويغريهم بالنهب والسلب، دونما حسيب أو رقيب.
لو لم تقع ثورة الجماهير التونسية لما رأينا أو سمعنا عن شئ من ذلك، في العالم العربي بوجه أخص الذي لا يزال الحكام فيه يتمتعون بحصانة وقداسة تحول دون مساءلتهم، بل تحول حتى دون الاطلاع على شئ مما ينشر عنهم في الخارج.

فالمواطن الفرنسي مثلا كان يعرف أكثر من أي مواطن عربي حقيقة فساد الرئيس وزوجته وأهلها. لأن أكثر من كتاب صدر في باريس فضح ذلك الفساد،
ولم يتح لعالمنا العربي أن يعرف شيئا عن تلك الكتب إلا بعد أن سقط النظام وهرب بن على إلى الخارج. فقط في مساء ذلك اليوم كان غلاف الكتاب الذي صدر عن زوجته (حاكمة قرطاج) يتصدر شاشات مختلف التليفزيونات العربية.
ليس الرئيس بن على حالة خاصة بين قادة الأنظمة المستبدة. لكن قاعدة التلازم بين الاستبداد والفساد تدعونا للاعتقاد بأن كل حاكم مستبد له في الفساد باع ونصيب. لا فرق في ذلك بين حاكم لدولة غنية أو فقيرة. لكن الفرق بين مستبد وآخر أن أحدهما قد يكون ممسكا بمقاليد الأمور في بلده،

ومن ثم لا يجرؤ أحد في بلادنا على الكشف عن حجم ضلوعه في الفساد،
والآخر أفلت منه الزمام وأطيح به، فسقط القناع عن وجهه وأتيح لنا أن نطالع قبح صفحته الحقيقية دونما تدليس أو تزوير.
قبل عدة سنوات حين انشق السيد عبدالحليم خدام نائب رئيس الوزراء السوري ووزير الخارجية الأسبق ولجأ إلى باريس، فضحته السلطات في دمشق فسربت بيانا بممتلكاته وأنشطته التي كان مسكوتا عليها. وقتذاك كنت واحدا ممن أدهشهم حجم تلك الممتلكات واتساع نطاق تلك الأنشطة.

ذلك أن الممتلكات شملت عقارات ومنتجعات وقصورا وشققا سكنية داخل البلاد وخارجها، كما أن الأنشطة شملت محلات للملبوسات والبقالة وتوكيلات تجارية وكل ما يخطر على بالك من مصادر لتحويل الأموال وتكديس الثروة.

عندما أذيع ذلك البيان كتبت مقالة للأهرام أشرت فيها إلى فكرة التلازم بين الاستبداد والفساد، وقلت إن كل مسؤول كبير في المجتمعات غير الديمقراطية لابد أن يكون ضالعا في الفساد بدرجة أو أخرى.

ومن ثم فله «ملفَّه» الذي يسجل وقائع فساده وخطاياه. وهو في أمان طالما ظل على ولائه للنظام،

أما إذا تمرد فإن الكشف عن ملفه بات الوسيلة التقليدية لإسقاطه سياسيا واغتياله معنويا.

لكن هذه الفقرات لم يحتملها الأهرام، وحذفت من المقالة، وقيل لي وقتذاك أن في الكلام رائحة غمز في الأوضاع القائمة في مصر، رغم أن الحدث الأصلي كان في سوريا.
في بعض دول أمريكا اللاتينية تعاملت النخب مع الظاهرة بواقعية شديدة انطلقت من الاختيارين أخف الضررين. إذ في سبيل الخلاص من الحكام المستبدين فإنها باتت تعرض عليهم صفقة بمقتضاها تغض الطرف عما نهبوه وتعفيهم من المساءلة والمحاكمة، مقابل أن يتركوا مناصبهم ويختاروا لأنفسهم ملاذا آمنا.

حيث كانت تلك النخب مخيرة بين استمرار النهب في ظل الاستبداد.
وبين الإعفاء من المسؤولية عن النهب لاسترداد الحرية،

لكن إحدى المشكلات الكبيرة التي نواجهها في هذا الصدد أن مجتمعنا المدني أضعف من أن يفرض مثل هذه الخيارات على الحكام المعنيين، الأمر الذي يطلق أيديهم في ممارسة الخطيئتين الاستبداد والنهب.
وحينئذ يطل الخيار الثالث برأسه، بحيث يصبح الانفجار هو الحل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق