السبت، 2 أبريل 2011

زيارة غير بريئة

إذا صحت الأنباء التي تحدثت عن وصول وفد يمثل الأمم المتحدة إلى القاهرة لتقييم الأوضاع المستجدة فيها، فإن الأمر يستحق الانتباه والحذر، لسبب جوهري هو أن الأمم المتحد أصبحت أحد العناوين التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية غطاء لتحقيق مآربها،

الأمر الذي يعني أن الزيارة المرتقبة ليست بريئة تماما، وأن الهدف منها هو إجراء مسح للساحة السياسية المصرية بعد ثورة 25 يناير، تمهيدا لاختيار مبعوث للأمم المتحدة إلى القاهرة يسهم في التعاطي مع الواقع المستجد.
الخبر بثته قناة الجزيرة، يوم الخميس الماضي، وذكرت فيه أن الوفد سيكون برئاسة لين باسكوا وكيل الأمين العام المسؤول عن قسم الشؤون السياسية، ورغم أن الهدف المعلن للوفد هو دراسة الأوضاع الاقتصادية وبحث إمكانية إسهام الأمم المتحدة في مشروعات التنمية، إلا أن المعلومات التي تسربت عن برنامج زيارته شملت لقاءات عدة منها على سبيل المثال:
الاجتماع مع أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة
ــ الالتقاء مع وزير الخارجية المصري
ــ لقاءان حول مائدة مستديرة أحدهما مع ممثلين عن الشباب الذين اعتصموا في الميدان، والثاني مع ممثلين عن منظمات المجتمع المدني قد يكون بينهم من يمثل الإخوان المسلمين
ــ لقاءات أخرى مع رئيس الوزراء السيد أحمد شفيق والدكتور محمد البرادعي والسيد عمرو موسى والسيد محمد فايق.
كما رأيت فإن أهداف هذا البرنامج ــ إذا صحت معلوماته ــ تتجاوز بكثير حدود المهمة التي أعلن عنها، وترجح فكرة إجراء مسح للواقع السياسي المستجد في مصر.

يؤيد ذلك أن الخبر الذي جرى بثه تحدث أيضا عن توجيه وفد مماثل إلى تونس، التي بدورها شهدت ثورة أطاحت برئيسها وقلبت نظامها السياسي.
يساعدنا على فهم الصورة أكثر أن نستحضر خبرة المنطقة مع مبعوث الأمم المتحدة خلال السنوات الأخيرة، فالمبعوث الذي أرسل إلى لبنان ــ بيري لارسن ــ تم إيفاده لمتابعة تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 1559 الذي دعا إلى انسحاب القوات الأجنبية من لبنان، وإلى تجريد الفصائل اللبنانية من السلاح (المقصود حزب الله).

وطوال فترة وجوده في لبنان فإنه كان يعمل بالتنسيق مع السفير الأمريكي فيلتمان. الذي أصبح لاحقا مساعدا لوزير الخارجية، أما المبعوث الذي تم إيفاده إلى فلسطين فإنه كان ظلا للسفير الأمريكي، وبالتالي فإنه كان يقف بالكامل مع الجانب الإسرائيلي.
هذه الخلفية تدعونا إلى القول بأن الهدف الأساسي للوفد القادم إلى القاهرة هو دراسة الأوضاع وتقييم الأشخاص وانتقاء عناصر بذاتها يمكنها المساهمة في الالتفاف على الثورة وتحسس الطريق نحو ضمان المصالح الأمريكية، وبوجه أخص كل ما تعلق بالالتزام بمعاهدة السلام مع إسرائيل، حتى فيما خص مشروعات التنمية الاقتصادية، فإن تسييسها بحيث تتحرك في ذلك الإطار سيكون الاحتمال الأرجح.
الوفود التي تزور القاهرة هذه الأيام، التي مثلت الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وإيطاليا، ليست بعيدة عن محاولات جس النبض والتجسس لاحتمالات التعامل مع الوضع الذي نشأ بعد الثورة، وقد كان مثيرا للدهشة والضحك في الوقت ذاته أن يذكر في أحد البرامج الحوارية المسائية في مصر أن تلك الوفود جاءت «تدعم الثورة»!
لا تثريب ولا لوم على هؤلاء القادمين، لأنهم في النهاية يؤدون عملهم ويتحرون مصالحهم، لكننا نقع في الخطأ ونستحق اللوم إذا ما افترضنا فيهم البراءة، وتصورنا أنهم قادمون تعبيرا عن حبهم لمصر أو تأييدهم للثورة.

ذلك أنه لم يعد سرا أن ما حدث في مصر فاجأ الجميع وأقلقهم. لأن الدول الغربية بوجه عام والولايات المتحدة وإسرائيل بوجه خاص، كانت تعتبر وجود الرئيس السابق ونظامه بمثابة ضمانة تأمين لمصالحها، حتى إن إسرائيل التي اعتبرت الرئيس السابق كنزا إستراتيجيا كانت تعربد في المنطقة وهي مطمئنة إلى أن مبارك ونظامه يوفران الحماية لظهرها،

ولست صاحب هذا الكلام، لأن أحد كبار المحللين الإسرائيليين «الوف بن» قالها صراحة في مقالة نشرتها هاآرتس (عدد 13/2) حيث قرر أن قادة إسرائيل كانوا يعرفون أن خاصرتها اليسرى مؤمنة حين يذهبون إلى الحرب أو يبنون المستوطنات أو يفاوضون على السلام على الجبهات الأخرى ــ

أضاف أنه حتى خطة نتنياهو التي استهدفت الهجوم على إيران فإنها انبنت على افتراض ضمان تأييد مبارك لتلك الخطوة، ولذلك فقد تم تأجيلها وإعادة النظر فيها الآن.
إننا مشغولون كثيرا بتفاعلات الداخل، وذلك مبرر لا ريب، لكننا ينبغي ألا نغفل عن ترتيبات الخارج، الذي لن يتوقف عن محاولة توظيف ثورة الشعب لصالحه. وهو التحدي الذي ينبغي أن ينال حظه من الانتباه والحذر.

محمد مدحت عمار
مدير مدونة جيل النصر
hamadamedhat9@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق