الجمعة، 22 أبريل 2011

الولاء لله سبحانه وتعالى

الولاء لله سبحانه وتعالى



كتب: م . محمد مدحت عمار

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،،،،،،، ثم أما بعد :
" لولا وجاهة الفكرة لتركناها لغيرها " ،،، هذه العبارة سمعتها من أحد الأفاضل في دعوة  عندما كان غاضباً من أحد القرارات الإدارية وكان القرار صادراً بشأنه وكنت أراه ساعتها محقاً في غضبه ورغم الضيق الذى انتابه ساعتها إلا أن عمق الفكرة بداخله منعه من اتخاذ أى إجراء انفصالي عنها فهى داخله فكرة ربانية وليست ملكاً لشخص كى يفارقه ويبتعد عنه وهو يعلم أنه بهذه الفكرة وهي بدونه قائمة فهو يحتاجها أكثر مما تحتاجه .
وأتذكر آخر كلمات كان يتلفظ بها أحد الإخوان رحمه الله قبل لقاء ربه ساعة احتضاره : " المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه " . ولاشك أننا نحتاج من وقت لآخر إلى التذكرة فأتوجه إلى أحبابى في الله بهذه التذكرة " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين " سائلا الله عز وجل أن ينفعنا بها .
الولاء ثلاثة أنواع  
1.    الولاء الرباني الدعوى : وهو الولاء الصحيح والمقبول والبعد الأخروى فيه هو الأصل وهذا
ما فهمناه من بيعة العقبة الثانية عندما طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من الأنصار أن يبايعوه على أن يمنعوه كما يمنعون نساءهم وأزرهم فعلموا أنهم سيقاتلون لأجل ذلك الأحمر والأسود من الناس وهو ما يعنى قتل الأشراف منهم وهلكة الأموال فسألوا ما لنا إن وفينا ؟ قال : " الجنة " . نعم الجنة وفقط وعلى هذا بايعوا لا لغرض ولا منفعة . وهذا معن بن عدى يعزز هذا المعنى في مناظرته الرائعة مع على بن أبى طالب : فيقول على :" هو رسول الله وأنا بن عمه وزوج ابنته ووارثه وأولى الناس به ووالله لأموتن دونه "  فقال معن : " والله ما أحب أن أموت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصدقه حياً وميتاً أو حتى أنصره حياً وميتاً " . فولاء معن بن عدى ليس ولاءً شخصياً وليس ولاءً حزبياً وإنما هو ولاء رباني ولاء للمنهج لا للأشخاص ولا المصالح  وهذا ينقلنا للتعرف على نوعين مرفوضين من أنواع الولاء.
2.  الولاء الحزبى : وهو مرفوض لأنه قائم على المنفعة والمصلحة الخاصة الدنيوية للفرد والبعد الأخروى فيه غير معتبر فكل من ينتمي إلى حزب إنما الهدف الأساسي عنده هو المنفعة والمصلحة الشخصية من مال أو منصب أو جاه أو شهرة ...إلخ فإذا انتهت المصلحة وانعدمت ترك الحزب الذي ينتمي إليه ملتحقا بغيره من الأحزاب ليحقق مصلحته الشخصية ومنفعته الدنيوية .
3.  الولاء الشخصي : وهو مرفوض أيضاً حتى ولو كان لشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى  : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزى الله الشاكرين " . وكلمة أبى بكر الصديق رضى الله عنه عند موت رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت "  فمن كان له انتماء فليكن للفكرة والمنهج الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
 احذروا فتنة الموهبة
( أنا -  لي - عندى ) كلمات مهلكات حذرنا منها بن القيم رحمه الله والقرآن الكريم به نماذج تؤكد ذلك :
1.  إبليس و" أنا ": اغتر ابليس بموهبة العبادة وما وصل إليه من المكانة والتى حباه الله إياها عندما أسرته الملائكة في معركة الأرض وصعدوا به إلى السماء فتعلم منهم العبادة فصار أعبدهم وكافأه الله فجعله في صورة الملائكة ومن أولى الأجنحة الأربعة ولما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم رفض إبليس والسبب تعاظم الأنا عنده قال : " أنا خير منه ..." فكان الهلاك مسخه الله شيطاناً رجيماً وطرده من رحمته .
2.  فرعون و " لى " :  اغتر فرعون بموهبة السلطان و ما آتاه الله من الملك وكفر برسالة موسى وحاربه  وقال : " أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ..." فكانت نهايته المعروفة افتخر بالأنهار فخرج ملطخاً بطينها !!!
3.   قارون و " عندى " : واغتر قارون بموهبة العلم والمال فقد علمه الله علم الكيمياء ووفقه إلى تركيبة كيميائية تحول التراب إلى ذهب فصار عنده من الكنوز ملا يعد ولا يحصى لكثرته فبغى على قومه ولما نصحه الناصحون وذكروه بفضل الله عليه قال في استعلاء : " إنما أوتيته على علم عندي .." فكان الهلاك :" فخسفنا به وبداره الأرض ..." .
والأمثلة كثير في القرآن كصاحب الجنتين في سورة الكهف والنمروذ وغيرهما فلنرجع إليه .   
هكذا أيها الأحباب كل من يغتر بالموهبة وينسبها إلى نفسه ولا يشكر الوهاب ويسخرها في خدمته وطاعته يكون هلاكه بسببها في الدنيا والآخرة . 
وأقدم هذا الحديث إلى كل من يغتر بموهبته التى وهبه الله إياها وظن أن مايميزه بين الناس سواء كان مالاً أو علماً أو جاهً أو بنين أو أى شيء هو نتاج جهده أو ذكائه أو خبرته أو....إلخ :
عن جابر رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " خرج من عندي خليلي جبريل آنفا فقال: يا محمد ...والذي بعثك بالحق إن لله عبدا من عباده عبد الله خمسمائة سنة على راس جبل في البحر, عرضه وطوله ثلاثون ذراعا في ثلاثين ذراعا, والبحر محيط به أربعة آلاف فرسخ من كل ناحية. وأخرج له عينا عذبة بعرض الإصبع تفيض بماء عذب, فيستنقع في أسفل الجبل, وشجرة رمان تخرج له في كل ليلة رمانة...يتعبد يومه, فإذا أمسى نزل فأصاب من الوضوء وأخذ تلك الرمانة فأكلها, ثم قام لصلاته....فسأل ربه أن يقبضه ساجدا, وأن لا يجعل للأرض ولا لشيء من الهوام عليه سبيلا حتى يبعثه الله وهو ساجد...قال ففعل. فنحن نمر عليه إذا هبطنا وإذا عرجنا, فنجد له في العلم أنه يبعث يوم القيامة, فيوقف بين يدي الله فيقول له الرب: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي, فيقول: رب بل بعملي, فيقول الله: قايسوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله, فتوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادة خمسمائة سنة, وبقيت نعم الجسد فضلا عليه, فيقول: أدخلوا عبدي النار, فيجر إلى النار ...فينادي: رب برحمتك أدخلني الجنة, فيقول : ردوه, فيوقف بين يديه فيقول : يا عبدي من خلقك ولم تك شيئا ؟ فيقول: أنت يا رب, فيقول : من قواك لعبادة خمسمائة سنة ؟ فيقول: انت يا رب, فيقول : من أنزلك في جبل وسط اللجة, وأخرج لك الماء العذب من الماء المالح, وأخرج لك كل ليلة رمانة, وإنما تخرج مرة في السنة,ومن سالته أن يقبضك ساجدا ففعل ؟ فيقول: أنت يا رب, قال : فذلك برحمتي, وبرحمتي أدخلك الجنة, أدخلوا عبدي الجنة, فنعم العبد كنت يا عبدي, فأدخله الله الجنة, قال جبريل: إنما الأشياء برحمة الله يا محمد " رواه المنذري.  
الفهم والإخلاص والثبات بيد الله فلنطلبها منه سبحانه بذلة وانكسار ولنحذر الهوى 
يقول بن عطاء الله السكندرى: " تحقق بأوصافك يمُدَّك بأوصافه ، تحقَّق بذُلك يمُدُّك بعزِّه ، تحقَّق بعجزِك يمُّدك بقدرته ، تحقَّق بضعفك يمدُّك بقوته ، وإذا أردت ورود المواهب عليك فحقق الفقر والفاقة لديك إنما الصدقات للفقراء " نعم فالفهم الصحيح لمفردات هذا الطريق والإخلاص لله رزق من عند الله كما قال ابن القيم رحمه الله : ( صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده ، بل ما أعطي عبدٌ عطاء بعد الإسلام أفضل ولا أجلّ منهما ، بل هما ساقا الإسلام ، وقيامه عليهما ، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم ، وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم ، ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم ، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة ، وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد ، يميز به بين الصحيح والفاسد ، والحق والباطل ، والهدى والضلال ، والغي والرشاد ، ويمدّه حسن القصد وتحرّي الحق وتقوى الرب في السر والعلانية ، ويقطع مادته إتباع الهوى وإيثار الدنيا وطلب محمدة الخلق وترك التقوى) كما أن سوء الفهم أصل كل بلية ، يقول ابن القيم كذلك : ( سوء الفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام ، بل هو أصل كل خطأ في الأصول و الفروع ، ولا سيما إن أضيف إليه سوء القصد). لأجل ذلك كلّه جعل الإمام البنا رحمه الله ركن الفهم أول أركان البيعة قبل الإخلاص والعمل وغيرهما من الأركان.
فالعمل لدعوة الله الغاية منه مرضاته عز وجل ، والمقصود به وجهه سبحانه ، فإن قصد به غير ذلك ، ودخلت فيه الأهواء الجانحة ، والشهوات الخفية ، والنزوات الدفينة ، أظلمت القلوب ، واختلت العقول ، وطاشت الأفهام ، فينسف عند ذلك الفهم السليم للدعوة، وتتعثر المسيرة ، فقد قال ابن الجوزي رحمه الله : (إنّما يتعثر من لم يخلص) ، وقيل : (مالا يراد به وجه الله يضمحل).
ومن أقوال الأستاذ  سيد قطب رحمه الله : (ليس الذي يثير النزاع هو اختلاف وجهات النظر ، إنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة يصر عليها ، مهما تبيّن له وجه الحق في غيرها ، وإنما وضع الذات في كفة والحق في كفة ، وترجيح الذات على الحق ابتداء).
نسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا فهم دينه والإخلاص لوجهه والثبات على طريقه حتى نلقاه وهو راض عنا أجمعين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق