الأحد، 10 أبريل 2011

غرائب حوارات الفقي ورفعت السعيد!

ذات يوم فوجئتُ باتصالٍ تليفوني من صديقٍ يطلب مني مشاهدة قناة (ON) الفضائية التي كان يتحدث فيها الدكتوران مصطفى الفقي ورفعت السعيد في برنامج (مع المعارضة)، الذي يُقدِّمه الدكتور عبد المنعم سعيد، وأبلغني أن الحوار بينهما تطرَّق إلى شخصي أنا، وحوَّلت المؤشر إلى القناة، لكن الفقرة المتعلقة بي كانت قد انتهت، غير أن ما سمعته من حوار كان أمرًا عجبًا، وهو أمرٌ ربما كان في حدِّ ذاته يستحق التعليق.



على أية حال استدركت الأمر في اليوم التالي؛ حيث استمعت في إعادة البرنامج لما يتعلَّق بي مما جاء على لسانيهما، وهنا تحوَّل ما كان يمكن أن يستحق التعليق إلى ما يستوجب الرد.



خلاصة الأمر أن الدكتور الفقي تقمَّص دور الحريص على أحزاب المعارضة، مختصًّا حزب التجمع بجانب مُهمٍّ من ذلك الحرص، وارتدى في سياق ذلك ثياب الناصح والناقد لحالة ضعفها وأخطائها، واستشهد في ذلك بتجربته الذاتية الشهيرة في انتخابات مجلس الشعب؛ حيث انتقد بمرارة كون مرشح حزب التجمع في دائرة دمنهور- وهو كاتب هذا المقال- قد هاجمه أكثر مما هاجم مرشح الإخوان المسلمين د. جمال حشمت، وبدلاً من أن يرد رئيس حزب التجمع بأن هذا هو المسلك الطبيعي لمرشح التجمع تجاه مرشحي الحزب الحاكم الذي نعارضه؛ أجاب بتعليق أغرب من الانتقاد؛ إذ قال: "كان عنده وَهْم أن بإمكانه أن يُحيِّد الإخوان"!.



ومضى د. السعيد في إجاباته؛ يحاول البرهنة على عدم صحة اتهامات محاوريه الأخرى بتزايد ضعف حزب التجمع، وهي محاولة لم تَبْدُ مقنعةً لهما، كما لم تَبْدُ مقنعةً لمحاوريه في برامج أخرى، ومن آخرهم الصحفية المهذبة "رانيا بدوي" في برنامجها (الكلام الصعب) في قناة (النيل)، إلا أن الأغرب هو أنه حين اعترف بتقصيرٍ أزاح المسئولية عن كاهله، وألقى بها في ملعب الآخرين، وهم ليسوا فقط مرشح التجمع في دمنهور مثلاً، بل أعضاء الحزب عموماًً الذين لا يستجيبون، وفق قوله، لتوجيهاته بالتظاهر والاحتجاج في المحافظات خوفًا من الأمن!.



ولمَّا كان كل ما جاء في الحوار عمومًا- ومن ضمنه ما يتعلَّق بي- هو أحد أمثلة الممارسة السياسية لشخصيات شهيرة ومتنفِّذة في نظامنا السياسي الذي يحافظ على تقاليد انقرضت مما كان سابقًا "عالمًا ثالثًا"- ومن بينها عدم الاعتراف بالمسئولية أو الأخطاء- فإن هدف هذا المقال هو إلقاء الضوء على ما أعتقد أنه من أخطاء المتحاورين، وهو من ناحيةٍ أخرى مناسبة للإدلاء بشهادتي عن انتخابات برلمانية ما زالت ذكراها تشغل الرأي العام المصري، وهي انتخابات دمنهور، وهي شهادة معروفة لأبناء الدائرة، لكن لا بد من الإفصاح الكافي عنها على المستوى القومي.



وبالنسبة لرئيس حزب التجمع فإننا نستطيع إيجاز ما نرى أنه خطأ مركَّب في تعليقه في عبارتين: أولاً: التعبير الخاطئ عن مبادئ حزب التجمع والانحراف عنها، وثانيًا: تهافت وفساد استنتاج المسببات.



وفيما يتعلق بالخطأ الأول نعتقد أنه ظاهرٌ لا يخفى على فطنة المستمع أو القارئ العاديَّين؛ إذ كان د. السعيد يريد لنا مثلاً أن نوافق د. الفقي في ترك نقد الحزب الوطني للتركيز بدرجة أكبر على مهاجمة الإخوان، فما قوله في وثائق حزب التجمع التي قرَّرت بوضوح وبالنص- وفق ما جاء في قرارات مؤتمره العام- الرابع ما يلي: "الحكم القائم وحزبه هو الخصم، وهدف التغيير الذي يدعو إليه الحزب السعي لقيام حكم ديمقراطي منحاز للطبقات الشعبية والوسطى، وعلى هذا الطريق يخوض حزبنا معارضةً جذريةً لا هوادةَ فيها ضد سياسات الحكم والمؤسسات والأشخاص المسئولين عن هذه السياسات" (وثائق المؤتمر العام الرابع، ص 27).



أما وقد وافق د. السعيد محاوره مرشح الوطني على منطقه، فقد تبرَّع بمحاولة استنتاج سببٍ ما اعتبره موقفًا خاطئًا لي، ووجد هذا السبب في أن مرشح التجمع "كان عنده وَهْم أن بإمكانه تحييد الإخوان".



ويا له من "تسبيب" متَّسم بـ"التجديد"!؛ لأننا نسمع لأول مرة "أن مرشحًا يحاول تحييد منافسه"؛ فمرشح التجمع الذي يتحدث عنه كان منافسًا للفقي ولحشمت؛ حيث الجميع من ذات الصفة الانتخابية "فئات"، وبالتالي فكرة "التحييد" تبدو هنا حمقاء تمامًا، ولا يمكن التحييد إلا في حالة "اختلاف الصفة"، وهو ما يعلم رئيس حزب التجمع أنه قد تحقق في مكان آخر لا في دمنهور؛ حيث نجح "محمد تليمة" مرشح التجمع "العمال" بفضل التحالف مع أصوات مرشح الإخوان من "الفئات"، وهلَّل د. السعيد للنجاح قبل أن ينجح الوطني "الذي يتقمَّص دور الحرص على التجمع" في إغواء "تليمة" بترك التجمع والانضمام إليه ليترك التجمع بدون هيئة برلمانية!.



ونقول أولاً: إن الدكتور الفقي للأسف هو الذي وضع نفسه في هذا المأزق؛ الذي أعتقد أنه خسر بسببه أكثر مما كسب؛ فالمقعد مكسب هزيل وزائل، أما الخسارة الأدبية لشخصية لها وزن فكري فهي الأهم؛ فالدكتور الفقي الذي أعلن عن ترشيح نفسه فجأةً وفي وقت متأخر بعد إعلان المرشحين الآخرين عن ترشحهم؛ قدَّم نفسه وقدَّمه أعوانه في البداية بوصفه "المفكر القومي" ابن الدائرة، وقد كان مشكوكًا منذ البداية في مدى صحة الموطن الانتخابي الأصلي؛ لأنه بالنسبة له المحمودية وليس دمنهور، ولكنها كانت على ما يبدو محجوزة لمرشح آخر للوطني.



ثم إن صفة "المفكر القومي" تراجعت وانكمشت بسرعة لصالح صفة "مرشح الحزب الوطني الحاكم"، والفارق كبير بين الاثنتين، ومع ذلك فقد رحَّبتُ منذ البداية بالمنافسة معه بوصفه ذلك المفكر.



وللأسف.. فمع تحوُّل الممارسات الانتخابية من الأشكال التي تليق "بالمفكر" إلى "الممارسات السلطوية" التقليدية المعروفة والمكروهة؛ كان لا بد من مهاجمة هذه الممارسات، والتي استُخدم فيها جميع الأساليب المعروفة؛ من تسخير جهاز الدولة، والضغوط والوعود والتبرعات "من قطاع خاص- لا بأس أن يكون حديد عز- لموازنة الدولة وفق ما تم الإعلان عنه في بيانات انتخابية أصدرها ووزَّعها"، وبالتالي ازداد انزلاق الدكتور الفقي إلى المأزق المحتم في دائرةٍ أصبح هو رمز حزبها الحاكم، متجاهلاً- كما ينسى الدكتور السعيد أيضًا- أن هذا الحزب أذاقها المرار والإذلال والتزوير مراتٍ متعاقبةً؛ عانى منها مرشح الإخوان، كما عانيت أنا منها وأنا مرشح التجمع، وهذه حقيقة معلومة للكافة يمكن لأية هيئة مستقلة أن تتأكد منها.



نريد فقط توجيه سؤالين إلى الدكتور الفقي: إذا كان يردِّد دائمًا حجة مهاجمة الإخوان، فلماذا يطالب قادة حزبه بنفس ما يطالب به الإخوان؟! حيث أعلن د. عمر هاشم في وجوده ضرورةَ أن تتجه الدولة إلى الاقتصاد الإسلامي المستند إلى الشريعة الإسلامية؟!



والثاني: إنك كنت قد أعلنت أن ستقدِّم استقالتك من مجلس الشعب إذا قضى القضاء ببطلان الانتخابات، فلماذا لم تَفِ بالوعد وقد قضت محكمة النقض ببطلان انتخابات دمنهور؟!

_

أستاذ العلوم السياسية ,الأمين العام المساعد لحزب التجمع الوطني وأمين اللجنة السياسية للحزب والنائب السابق عن دائرة دمنهور بحكم قضائي عقب تزوير الانتخابات ضده

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق